ثم سمي القيام في الصلاة قنوتا وفي الحديث «أفضل الصلاة طول القنوت» ومنه قنوت الوتر.
وقال ابن الأثير في النهاية: «قد تكرر ذكر القنوت في الحديث ويرد بمعان متعددة كالطاعة والخشوع والصلاة والدعاء والعبادة والقيام وطول القيام والسكون فيصرف في كل واحد من هذه المعاني إلى ما يحتمله لفظ الحديث الوارد فيه» قرأ حمزة (أمن) بتخفيف الميم بمعنى أمن هو قانت كمن هو ليس بقانت، والمقصود نفي المساواة بينهما وإثبات الفضل للأول، وقرأ الباقون بتشديد الميم أصله أم من أدغمت الميم في الميم (أم) متصلة معطوفة على محذوف دخل عليه حرف الاستفهام تقديره أتارك القنوت خير أمن هو قانت مثل قولك أزيد أفضل أم عمر وأم منقطعة بمعنى بل والمعنى بل أمن هو قانت كمن ليس كذلك قيل: فيه دلالة على أن العمل الذي يتصف بسببه الإنسان بالكمال هو ما كان الإنسان مواظبا عليه، فإن القنوت عبارة عن كون الرجل قائما عليه من الطاعات فما لا مواظبة فيه من الأعمال ليس فيه كثير فائدة (آناء الليل) أي ساعاته خصها بالذكر مع أن العبادة في كل وقت فضيلة يتقرب بها العبد إلى الله تعالى، ويتميز بها عن غيره، لوجوه:
أولها: أن القلب في الليل فارغ عن المحسوسات المانعة عن السير إلى الله سبحانه، فيتوجه إلى ذكره مشاهدا له ولصفاته الذاتية والفعلية، وكمال قدرته وغلبته على جميع الممكنات فيحصل له بذلك خوف وخشية بحيث لا يغفل عنه طرفة عين وهذه الحالة أفضل الحالات الواقعة والطاعة فيها أفضل الطاعات لأن التفاوت في مراتب الطاعات بحسب تفاوت مراتب القلب في القرب والبعد.
وثانيها: أن الليل وقت النوم والاستراحة فيكون القيام أشق فيكون الطاعة فيه أفضل وقد دل على هذين الوجهين قوله تعالى: (إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلا).
وثالثها: أن القيام في الليل لكونه أقرب من الخلوص وأبعد من الرياء أفضل من القيام في النهار.
ورابعها: أن النهوض في الليل للعبادة لما كان غير مدافع بطلب المعاش ونحوه كان أكمل من النهوض في النهار وأفضل. (ساجدا وقائما) حالان من فاعل «قانت» ونقل أيضا قراءتهما بالرفع والخبرية وتعدد الخبر بدون العطف جائز والواو للجمع بين الصفتين، وتقديم السجود على القيام للاهتمام به لأن السجود أرفع منازل العارفين وأعلى معارج العابدين كما نطق به الأخبار عن الأئمة الطاهرين (يحذر الآخرة) أي عذابها (ويرجو رحمة ربه) استيناف للتعليل كأنه قيل ما سبب قنوته وسجوده وقيامه؟ فأجيب ببيان سببها أو في موضع النصب على الحال ولابد من نكتة في إيراد بعض الأحوال مفردا وبعضها جملة فعلية ولعل النكتة فيه هو التنبيه على اعتبار استمرار الحذر والرجاء ووجود كل واحد منهما في زمان وجود الأخرى بخلاف السجود والقيام. وإنما أثر الحذر على الخوف مع أن الخوف في مقابل الرجاء على ما هو المتعارف لأن الحذر أبلغ