والدبور إنما هي أسماء الملائكة الموكلين بها فإذا أراد الله أن يهب شمالا أمر الملك الذي اسمه الشمال فهبط على البيت الحرام فقام على الركن الشامي فضرب بجناحه فتفرقت ريح الشمال حيث يريد الله من البر والبحر، وإذا أراد الله أن يبعث جنوبا أمر الملك الذي اسمه الجنوب فهبط على البيت الحرام فقام على الركن الشامي فضرب بجناحه فتفرقت ريح الجنوب في البر والبحر حيث يريد الله، فإذا أراد الله أن يبعث ريح الصبا أمر الملك الذي اسمه الصبا فهبط على البيت الحرام فقام على الركن الشامي فضرب بجناحه فتفرقت ريح الصبا حيث يريد الله في البر والبحر، وإذا أراد الله أن يبعث دبورا أمر الملك الذي اسمه دبور فهبط على البيت الحرام فقام على الركن الشامي فضرب بجناحه فتفرقت ريح الدبور حيث يريد الله من البر والبحر، ثم قال (عليه السلام) أما تسمع لقوله (1) ريح الشمال. وريح الجنوب; وريح الدبور، وريح الصبا. إنما تضاف إلى الملائكة: الموكلين بها».
إذا عرفت هذا فنقول: في تصريف الرياح ومنافعها دلالة واضحة على أن مبدعا حكيم قادر عليم بمصالح العباد أما الأول فلأن حركة الهواء إلى الجوانب المختلفة إرادية بالضرورة ولا طبيعية لأن الحركة الطبيعية إلى جهة واحدة هي العلو والسفل. وحركة الهواء إلى جهات متعددة فينبغي أن يكون لأمر خارج فإن كان ذلك الخارج إرادة الواجب بالذات ثبت المطلوب، وإن كان غيرها ننقل الكلام إلى ذلك الغير فيرجع بالآخرة إلى المطلوب، وأما الثاني فلان الريح تحيي الأبدان وتمسكها من داخل بما تستنشق منها ومن خارج بما تباشر بها من روحها وتبلغ الأصوات وتؤديها إلى المسامع من البعد والبعيد ولولا ذلك لبطل نظام العالم، وتحمل الأراييح التي تقوي القلب والدماغ من موضع إلى موضع، ألا ترى كيف تأتيك الرائحة من حيث تهب الريح وتروح عن الأجسام وتدخل في فرجها وتصير مادة لنشوء النباتات التي يحتاج إليها جميع الحيوانات في الاغتذاء والدواء وغيرهما فلولا الريح لتعفنت وفسدت، وتعفنها وفسادها يؤدي إلى فساد الحيوان والإنسان جميعا، وتزجي السحاب من موضع إلى من موضع ليعم نفعه ثم تعصره حتى يستكثف فيمطر ثم تنفضه حتى يتخلخل ويستخف فيتفشى وينتشر، وتلقح الشجر، وتسير السفن، وترخى الأطعمة، وتبرد الماء وتشب النار، وتجفف الأشياء الندية، وتعين في تصفية الغلات ولو ركدت دائما لفاتت هذه المصالح الجليلة والمنافع العظيمة، وحدث الكرب في النفوس، ومرض الأصحاء ونهك المرضى (2) وفسد الثمار، وعفنت البقول، وحدث الوباء في الأبدان، والآفة في الغلات، وركدت السفن، وتحير التجار، وبالجملة بطل نظام العالم بالكلية، ففيها من تدبير الحكيم ومصالح الخلق ما لا يحصيه اللسان ولا