شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ١١٠
التدريج إلى أوان الفراغ من هذه الدار الفانية (ومنكم من يتوفى من قبل) أي من قبل الشيخوخة أو الأشد، ومنشأ الموت عند الأطباء والطبيعيين أن الحرارة الغريزية التي هي آلة للطبيعة في أفعالها كالجذب والدفع والهضم وغير ذلك، ولذلك قيل: إنها كدخداء البدن تفنى الرطوبة الغريزية شيئا فشيئا ثم تفنى هي بفناء الرطوبة كما أن النار تفني الدهن، ثم تنطفي بانتفائه.
وقيل: منشأه أن النطفة التي هي مادة البدن جسم مركب ذو نضج تام إذ وقع هضمه في خمس مراتب: أربعة منها لأن يصير الغذاء جزء من بدن المتغذي (1) والخامسة لأن يصير مادة لتكون المثل فإن المادة المنوية فضلة الهضم الرابع، وإذا وقعت في أوعية التوليد كالخصية استحالت نطفة بهضم خامس، ثم يزيد مقدارها بورود الغذاء عليها بدلا مما يتحلل منها، وليس حكم هذا الوارد في الاعتدال والنضج حكم ما ينقص منها بالتحليل فما دام شئ منها باقيا في البدن كانت الحياة باقية ونسبة القوة والضعف على نسبة ما بقي منها زيادة ونقصانا وإذا تحللت بالكلية تحقق الموت وهذا قريب مما قيل من أن الموت طبيعي ومعناه أن الإنسان عند نشأة منه تعالى يتوجه بحسب الغريزة الفطرية والأشواق الإلهية نحو النشأة الآخرة ويسلك سبيله تعالى ليرجع إليه كما نزل منه فهو متحرك دائما على منازل ومراحل من طور إلى طور في دار البلية ودار الفراق إلى أن يبلغ تلك النشأة التي هي منتهى حركته في هذه الدار، فإذا بلغها انتقل إليها وأوائلها القبر والبرزخ والحشر والنشر والعرض والحساب إلى غير ذلك، ثم بعد ذلك يرجع إما إلى نعيم مقيم أو إلى عذاب أليم يفعل الله ما يشاء ويحكم ما يريد (ولتبلغوا) متعلق بمحذوف أي يفعل ذلك لتبلغوا (أجلا مسمى) قيل: هو وقت الموت أو يوم القيامة، وقيل: يحتمل أن يراد به وقت لقاء الله تعالى في الجنة الذي هو الغاية الأخيرة

1 - للهضم عند الأطباء مراتب أربع: الأول الهضم في المعدة فيصير الأغذية به كيلوسا أي مادة شبيهة بماء الكشك الثخين. والهضم الثاني في الكبد وبه ينتقل الكيلوس من طريق وريد الباب والعروق الماسار يقاوية إلى الكبد فينطبخ فيه ويصير كيموسا.
والهضم الثالث في الأوردة، لأن الدم الحامل للغذاء إذا خرج من الكبد إلى الوريد المسمى بالاجوف وانشعب إلى العروق الصغار والرواضع والعروق الشعرية ينطبخ فيها ويتبدل ماهيته بخروج مالا يناسب التغذية منه.
والهضم الرابع في نفس الأعضاء، لأن الدم له طبيعة واحدة يجرى إلى كل عضو من لحم وعظم وشحم وعصب ويحمل إليها غذائها فيتصرف كل عضو في هذا الدم ويغيره إلى صورته وطبيعته فيصير الدم في العظم عظما وفي اللحم لحما إلى غير ذلك ولكل هضم من هذه الهضوم الأربعة فضلات يضر وجوده في بدن الإنسان فوكل الله تعالى بعظيم حكمته قوة دافعة تخرجها عنفا فنخرج فضلة الهضم الأول من طريق الأمعاء وفضلة الهضم الثاني من طريق الكلى والمثانة بالبول والمرارة والطحال وفضلة الهضمين الثالث والرابع من طريق مسام البدن بالعرق والأوساخ وبالتنفس ومثل ذلك والنطفة من فضلات الهضم الرابع الا انها ليست مما يضر اجتماعه في البدن بل يمكن ان تحتبس في وعائه وتنجذب في البدن ولا يتضرر البدن بها بخلاف البول مثلا. (ش)
(١١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 105 106 107 108 109 110 111 112 113 114 115 ... » »»
الفهرست