أهل بلاده وعلمائهم فحضروا في أحسن هيئتهم وأجمل جمالهم وتسلح فرسانه وركبت خيوله في عدتهم، ثم وقفوا على مراكزهم ومراتبهم صفوفا وكراديس، وإنما أراد بزعمه أن ينظر إلى منظر رفيع حسن تسر به نفسه وتقربه عينه، ثم خرج فصعد إلى مجلسه فأشرف على مملكته فخروا له سجدا، فقال: لبعض غلمانه: قد نظرت في أهل مملكتي إلى منظر حسن وبقي أن أنظر إلى صورة وجهي فدعا بمرآة فنظر إلى وجهه فبينا هو يقلب طرفه فيها إذ لاحت له شعرة بيضاء من لحيته كغراب أبيض بين غربان سود، واشتد منها ذعره وفزعه (1) وتغير في عينه حاله وظهرت الكآبة والحزن في وجهه وتولي السرور عنه.
ثم قال في نفسه: هذا حين نعي إلى شبابي وبين لي أن ملكي في ذهاب وأوذنت بالنزول عن سرير ملكي، ثم قال: هذه مقدمة الموت ورسول البلى (2) لم يحجبه عني حاجب، ولم يمنعه عني حارس، فنعى إلي نفسي وآذنني بزوال ملكي فما أسرع هذا في تبديل وبهجتي وذهاب سروري، وهدم قوتي، لم يمنعه مني الحصون ولم تدفعه عني الجنود، هذا سالب الشباب والقوة، وما حق العز والثروة، ومفرق الشمل وقاسم التراث بين الأولياء ثقاته فقال: أيها الملا ماذا صنعت فيكم وما (ذا) أتيت إليكم منذ ملكتكم ووليت أموركم؟ قالوا له: أيها الملك المحمود عظم بلاؤك عندنا وهذه أنفسنا مبذولة