عليل، مغنيا عنك كل برهان ودليل، بل أعلى من ذلك وفوقه، وكل ما صدر عن غيرهم لا يصل إلى ما دونه، بل النسبة نسبة الظلمة والضحى، لأن كل حكمة وعلم من الحق صدرت فمن طريقهم إلى الخلق وصلت، وكل رحمة من الله انتشرت فبهم انتشرت، وكل عناية منه على الخلائق وقعت فبسببهم تحققت، لأنهم عيبة علمه، ومعدن حكمته، وسبب خيره، ووسائط فيضه، ويده الباسطة، وعينه الناظرة، وأذنه السامعة، ولسانه الناطق، والمخلوقون من نوره، والمؤيدون بروحه وبهم يقضي في الخلق قضيته، وإليهم تهبط في مقادير أموره إرادته.
بلى، بلى، أيها السالك سبيل الحكمة والطالب بالعرفان طريق السعادة، إليهم، إليهم فإن عندهم الحكمة، وباتباعهم تحصل السعادة، وبهم عرف الله وبهم عبد الله، ولولاهم لا.
فانظر ماذا ترى فإنك ترى بين يديك سفرا كريما من غرر حكمتهم، و بحرا عظيما من لئالي كلماتهم، ألفته يمين فريد من جهابذة العلم، كبير من أعلام الدين - قلما أتى الدهر بمثله - فخر الشيعة، أحد حفاظ الشريعة، الشيخ الأجل الأسعد أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي - قدس الله نفسه، ونور رمسه - فإنه كتاب يحتوي على أحاديث قيمة ثمينة عن رسول الله وأهل بيته صلوات الله عليه وعليهم في مطالب التوحيد ومعرفة صفات الله عز وجل وأسمائه وأفعاله وكثير من المباحث الحكمية والكلامية التي دارت عليها الأبحاث بين أهل العلم وفي مؤلفاتهم منذ القرن الأول إلى الآن كما ترى ذلك في تفصيل المطالب بلحاق الكتاب، ولعمري إنه جدير بأن يوضع هذا المزبور في المجامع العلمية للتدريس ويحث المشتغلون ورواد العلم على تحقيق مطالبه وتخريج مغازي كلماته مستمدين من تحقيقات أعلام السلف في زبرهم حول تلك المطالب العلمية العالية فإن الحكمة حقا ما أخذ من عين صافية، نبعت عن ينابيع الوحي، والعلم حقيقة ما يؤخذ من نواميس الدين، الذين هم وسائط بين الحق والخلق.
ثم إن مؤلف الكتاب - رضوان الله تعالى عليه - من الاشتهار والمعرفة