بالبعد، ولا بالحركة، ولا بالسكون، ولا بالقيام قيام انتصاب، ولا بجيئه ولا بذهاب، لطيف اللطافة لا يوصف باللطف، عظيم العظمة لا يوصف بالعظم، كبير الكبرياء لا يوصف بالكبر، جليل الجلالة لا يوصف بالغلظ، رؤوف الرحمة لا يوصف بالرقة مؤمن لا بعبادة، مدرك لا بمجسة، قائل لا باللفظ، هو في الأشياء على غير ممازجة.
خارج منها على غير مباينة، فوق كل شئ فلا يقال: شئ فوقه، وأمام كل شئ فلا يقال: له أمام، داخل في الأشياء لا كشئ في شئ داخل، وخارج منها لا كشئ من شئ خارج، فخر ذعلب مغشيا عليه، ثم قال: تالله ما سمعت بمثل هذا الجواب، والله لا عدت إلى مثلها.
ثم قال: سلوني قبل أن تفقدوني، فقام إليه الأشعث بن قيس، فقال: يا أمير المؤمنين كيف يؤخذ من المجوس الجزية ولم ينزل عليهم الكتاب ولم يبعث إليهم نبي؟ قال: بلى يا أشعث قد أنزل الله عليهم كتابا وبعث إليهم رسولا، حتى كان لهم ملك سكر ذات ليلة فدعا بابنته إلى فراشه فارتكبها، فلما أصبح تسامع به قومه فاجتمعوا إلى بابه، فقالوا: أيها الملك دنست علينا ديننا وأهلكته فأخرج نطهرك ونقم عليك الحد، فقال لهم: اجتمعوا واسمعوا كلامي فإن يكن لي مخرج مما ارتكبت، وإلا فشأنكم، فاجتمعوا فقال لهم: هل علمتم أن الله لم يخلق خلقا أكرم عليه من أبينا آدم وأمنا حواء؟ قالوا: صدقت أيها الملك، قال: أفليس قد زوج بنيه من بناته وبناته من بنيه؟ قالوا: صدقت هذا هو الدين فتعاقدوا على ذلك، فمحا الله ما في صدروهم من العلم، ورفع عنهم الكتاب، فهم الكفرة يدخلون النار بلا حساب، والمنافقون أشد حالا منهم، قال الأشعث: والله ما سمعت بمثل هذا الجواب، والله لا عدت إلى مثلها أبدا.
ثم قال: سلوني قبل أن تفقدوني، فقام إليه رجل من أقصى المسجد متوكئا على عصاه، فلم يزل يتخطى الناس حتى دنا منه فقال: يا أمير المؤمنين دلني على عمل أنا إذا عملته نجاني الله من النار، قال له: اسمع يا هذا ثم افهم ثم استيقن، قامت الدنيا بثلاثة: بعالم ناطق مستعمل لعلمه، وبغني لا يبخل بماله على أهل