تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٨ - الصفحة ٣٠٦
(بيان) الآيات تذكر الميثاق من بني آدم على الربوبية وهي من أدق الآيات القرآنية معنى، وأعجبها نظما.
قوله تعالى: " وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم أ لست بربكم قالوا بلى شهدنا " أخذ الشئ من الشئ يوجب انفصال المأخوذ من المأخوذ منه واستقلاله دونه بنحو من الأنحاء، وهو يختلف باختلاف العنايات المتعلقة بها والاعتبارات المأخوذة فيها كأخذ اللقمة من الطعام وأخذ الجرعة من ماء القدح وهو نوع من الاخذ، وأخذ المال والاثاث من زيد الغاصب أو الجواد أو البائع أو المعير وهو نوع آخر، أو أنواع مختلفة أخرى، وكأخذ العلم من العالم وأخذ الأهبة من المجلس وأخذ الحظ من لقاء الصديق وهو نوع وأخذ الولد من والده للتربية وهو نوع إلى غير ذلك.
فمجرد ذكر الاخذ من الشئ لا يوضح نوعه إلا ببيان زائد، ولذلك أضاف الله سبحانه إلى قوله: " وإذ أخذ ربك من بني آدم " الدال على تفريقهم وتفصيل بعضهم من بعض، قوله: " من ظهورهم " ليدل على نوع الفصل والاخذ، وهو أخذ بعض المادة منها بحيث لا تنقص المادة المأخوذ منها بحسب صورتها ولا تنقلب عن تمامها واستقلالها ثم تكميل الجزء المأخوذ شيئا تاما مستقلا من نوع المأخوذ منه فيؤخذ الولد من ظهر من يلده ويولده، وقد كان جزء ثم يجعل بعد الاخذ والفصل إنسانا تاما مستقلا من والديه بعد ما كان جزء منهما.
ثم يؤخذ من ظهر هذا المأخوذ مأخوذ آخر وعلى هذه الوتيرة حتى يتم الاخذ وينفصل كل جزء عما كان جزء منه، ويتفرق الاناسي وينتشر الافراد وقد استقل كل منهم عمن سواه ويكون لكل واحد منهم نفس مستقله لها ما لها وعليها ما عليها، فهذا مفاد قوله: " وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم " ولو قال: أخذ ربك من بني آدم ذريتهم أو نشرهم ونحو ذلك بقي المعنى على إبهامه.
وقوله: " وأشهدهم على أنفسهم أ لست بربكم " ينبئ عن فعل آخر إلهي تعلق
(٣٠٦)
مفاتيح البحث: الطعام (1)، الصدق (1)، الجود (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 301 302 303 304 305 306 307 308 309 310 311 ... » »»
الفهرست