بإحدى حجتين يدفعون بها تمام الحجة عليهم في شركهم بالله والقضاء بالنار، على ذلك من الله سبحانه.
والتدبر في الآيتين وقد عطفت إحدى الحجتين على الأخرى بأو الترديدية، وبنيت الحجتان جميعا على العلم اللازم للاشهاد، ونقلتا جميعا عن بني آدم المأخوذين المفرقين يعطي أن الحجتين كل واحدة منهما مبنية على تقدير من تقديري عدم الاشهاد كذلك.
والمراد أنا أخذنا ذريتهم من ظهورهم وأشهدناهم على أنفسهم فاعترفوا بربوبيتنا فتمت لنا الحجة عليهم يوم القيامة، ولو لم نفعل هذا ولم نشهد كل فرد منهم على نفسه بعد أخذه فإن كنا أهملنا الاشهاد من رأس فلم يشهد أحد نفسه وأن الله ربه، ولم يعلم به لأقاموا جميعا الحجة علينا يوم القيامة بأنهم كانوا غافلين في الدنيا عن ربوبيتنا، ولا تكليف على غافل ولا مؤاخذة، وهو قوله تعالى: " أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين ".
وإن كنا لم نهمل أمر الاشهاد من رأس، وأشهدنا بعضهم على أنفسهم دون بعض بإن أشهدنا الآباء على هذا الامر الهام العظيم دون ذرياتهم ثم أشرك الجميع كان شرك الآباء شركا عن علم بأن الله هو الرب لا رب غيره فكانت معصية منهم، وأما الذرية فإنما كان شركهم بمجرد التقليد فيما لا سبيل لهم إلى العلم به لا إجمالا ولا تفصيلا، ومتابعة عملية محضة لآبائهم فكان آباؤهم هم المشركون بالله العاصون في شركهم لعلمهم بحقيقة الامر، وقد قادوا ذريتهم الضعاف في سبيل شركهم بتربيتهم عليه وتلقينهم ذلك، ولا سبيل لهم إلى العلم بحقيقة الامر وإدراك ضلال آبائهم وإضلالهم إياهم، فكانت الحجة لهؤلاء الذرية على الله يوم القيامة لان الذين أشركوا وعصوا بذلك وأبطلوا الحق هم الآباء فهم المستحقين للمؤاخذة، والفعل فعلهم، وأما الذرية فلم يعرفوا حقا حتى يؤمروا به فيعصوا بمخالفته فهم لم يعصوا شيئا ولم يبطلوا حقا، وحينئذ لم تتم حجة على الذرية فلم تتم الحجة على جميع بني آدم، وهذا معنى قوله تعالى: " أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أ فتهلكنا بما فعل المبطلون ".
فان قلت: هنا بعض تقادير أخر لا يفي به البيان السابق كما لو فرض إشهاد الذرية على أنفسهم دون الآباء مثلا أو إشهاد بعض الذرية مثلا كما أن تكامل النوع