الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٥٤٩
وعجلت إليك رب لترضى. قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا أفطال عليكم العهد أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي. قالوا
____________________
وليس بيني وبين من سبقته إلا مسافة قريبة يتقدم بمثلها الوفد رأسهم وقدمهم، ثم عقبه بجواب السؤال عن السبب فقال (وعجلت إليك رب لترضى) ولقائل أن يقول حار لما ورد عليه من النهيب لعتاب الله فأذهله ذلك عن الجواب المنطبق المرتب على حدود الكلام. أراد بالقوم المفتونين الذين خلفهم مع هارون وكانوا ستمائة ألف ما نجا من عبادة العجل منهم إلا اثنا عشر ألفا. فإن قلت: في القصة أنهم أقاموا بعد مفارقته عشرين ليلة وحسبوها أربعين مع أيامها وقالوا قد أكملنا العدة ثم كان أمر العجل بعد ذلك، فكيف التوفيق بين هذا وبين قوله تعالى لموسى عند مقدمه - إنا قد فتنا قومك - قلت: قد أخبر الله تعالى عن الفتنة المترقبة بلفظ الموجودة الكائنة على عادته، أو افترص السامري غيبته فعزم على إضلالهم غب انطلاقه وأخذ في تدبير ذلك فكان بدء الفتنة موجودا.
قرئ (وأضلهم السامري) أي هو أشد ضلالا لأنه ضال مضل، وهو منسوب إلى قبيلة من بني إسرائيل يقال لها السامرة. وقيل السامرة قوم من اليهود يخالفونهم في بعض دينهم. وقيل كان من أهل باجرما. وقيل كان علجا من كرمان واسمه موسى بن ظفر، وكان منافقا قد أظهر الإسلام، وكان من قوم يعبدون البقر. الأسف الشديد الغضب. ومن قوله عليه الصلاة والسلام في موت الفجأة " رحمة للمؤمن وأخذة أسف للكافر " وقيل الحزين.
فإن قلت: متى رجع إلى قومه؟ قلت: بعد ما استوفى الأربعين ذا القعدة وعشر ذي الحجة. وعدهم الله سبحانه أن يعطيهم التوراة التي فيها هدى ونور ولا وعد أحسن من ذاك وأجمل. حكى لنا أنها كانت ألف سورة كل سورة ألف آية يحمل أسفارها سبعون جملا (العهد) الزمان يريد مدة مفارقته لهم، يقال طال عهدي ربك: أي طال
(٥٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 544 545 546 547 548 549 550 551 552 553 554 ... » »»