الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٥٤٨
ومن يحلل عليه غضبى فقد هوى. وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى. وما أعجلك عن قومك يا موسى. قالوا هم أولاء على أثرى
____________________
عبد الله لا يحلن (ومن يحلل) المكسور في معنى الوجوب من حل الدين يحل إذا وجب أداؤه، ومنه قوله تعالى - حتى يبلغ الهدى محله - والمضموم في معنى النزول، وغضب الله عقوباته ولذلك وصف بالنزول (هوى) هلك وأصله أن يسقط من جبل فيهلك قالت:
هوى من رأس مرقبة * ففتت تحتها كبده ويقولون هوت أمه أو سقط سقوطا لا نهوض بعده. الاهتداء هو الاستقامة والثبات على الهدى المذكور وهو التوبة والإيمان والعمل الصالح، ونحوه قوله تعالى - إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا - وكلمة التراخي دلت على تباين المنزلتين دلالتها على تباين الوقتين في جاءني زيد ثم عمرو - أعني أن منزلة الاستقامة على الخير مباينة لمنزلة الخير نفسه لأنها أعلى منها وأفضل (وما أعجلك) أي شئ عجل بك عنهم على سبيل الإنكار، وكان قد مضى مع النقباء إلى الطور على الموعد المضروب ثم تقدمهم شوقا إلى كلام ربه وتنجز ما وعد به بناء على اجتهاده وظنه أن ذلك أقرب إلى رضا الله تعالى، وزل عنه أنه عز وجل ما وقت أفعاله إلا نظرا إلى دواعي الحكمة وعلما بالمصالح المتعلقة بكل وقت، فالمراد بالقوم النقباء، وليس لقول من جوز أن يراد جميع قومه وأن يكون قد فارقهم قبل الميعاد وجه صحيح يأباه قوله (هم أولاء على أثرى) وعن أبي عمرو ويعقوب إثري بالكسر، وعن عيسى بن عمر أثرى بالضم، وعنه أيضا أولى بالقصر والأثر أفصح من الأثر، وأما الأثر فمسموع في فرند السيف في الأصول، يقال أثر السيف وأثره وهو بمعنى الأثر غريب، فإن قلت: ما أعجلك سؤال عن سبب العجلة، فكان الذي ينطبق عليه من الجواب أن يقال طلب زيادة رضاك أو الشوق إلى كلامك وتنجز موعدك، وقوله - هم أولاء عن أثرى - كما ترى غير منطبق عليه. قلت: قد تضمن ما واجهه به رب العزة شيئين: أحدهما إنكار العجلة في نفسها، والثاني السؤال عن سبب المستنكر والحامل عليه. فكان أهم الأمرين إلى موسى بسط العذر وتمهيد العلة في نفس ما أنكر عليه، فاعتل بأنه لم يوجد منى إلا تقدم يسير مثله لا يعتد به في العادة ولا يحتفل به،
(٥٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 543 544 545 546 547 548 549 550 551 552 553 ... » »»