الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٥٥٣
نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما. ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربى نسفا. فيذرها قاعا صفصفا. لا ترى فيها عوجا ولا أمتا.
يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له وخشعت الأصوات للرحمن
____________________
ننفخ بالنون، أو لأن الملائكة المقربين وإسرافيل منهم بالمنزلة التي هم بها من رب العزة، فصح لكرامتهم عليه وقربهم منه أن يسند ما يتولونه إلى ذاته تعالى. وقرئ ينفخ بلفظ مالم يسم فاعله، وينفخ ويحشر بالياء المفتوحة على الغيبة والضمير لله عز وجل أو لإسرافيل عليه السلام. وأما يحشر المجرمون فلم يقرأ به إلا الحسن. وقرئ في الصور بفتح الواو جمع صورة، وفى الصور قولان: أحدهما أنه بمعنى الصور وهذه القراءة تدل عليه، والثاني أنه القرن.
قيل في الزرق قولان: أحدهما أن الزرقة أبغض شئ من ألوان العيون إلى العرب لأن الروم أعداؤهم وهم زرق العيون ولذلك قالوا في صفة العدو أسود الكبد أصهب السبال أزرق العين، والثاني أن المراد العمى لأن حدقة من يذهب نور بصره تزراق. تخافتهم لما يملأ صدورهم من الرعب والهول. يستقصرون مدة لبثهم في الدنيا إما لما يعاينون من الشدائد التي تذكرهم أيام النعمة والسرور فيتأسفون عليها ويصفونها بالقصر لأن أيام السرور قصار، وإما لأنها ذهبت عنهم وتقضت والذاهب وإن طالت مدته قصير بالانتهاء، ومنه توقيع عبد الله بن المعتز تحت أطال الله بقاءك كفى بالانتهاء قصرا، وأما لاستطالتهم الآخرة وأنها أبد سرمد يستقصر إليها عمر الدنيا ويتقال لبث أهلها فيها بالقياس إلى لبثهم في الآخرة، وقد استرجح الله قول من يكون أشد ثقالا منهم في قوله تعالى (إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما) ونحوه قوله تعالى - قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين؟ قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين - وقيل المراد لبثهم في القبور ويعضده قوله عز وجل - ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا يؤفكون وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث - (ينسفها) يجعلها كالرمل ثم يرسل عليها الرياح فتفرقها كما يذرى الطعام (فيذرها) أي فيذر مقارها ومراكزها أو يجعل الضمير للأرض وإن لم يجر لها ذكر كقوله تعالى - ما ترك على ظهرها من دابة - فإن قلت: قد فرقوا بين العوج والعوج، فقالوا العوج بالكسر في المعاني، والعوج بالفتح في الأعيان والأرض عين فكيف صح فيها المكسور العين؟
قلت: اختيار هذا اللفظ له موقع حسن بديع في وصف الأرض بالاستواء والملاسة ونفى الاعوجاج عنها على أبلغ ما يكون، وذلك أنك لو عمدت إلى قطعة أرض فسويتها وبالغت في التسوية على عينك وعيون البصراء من الفلاحة واتفقتم على أنه لم يبق فيها اعوجاج قط، ثم استطلعت رأى المهندس فيها وأمرته أن يعرض استواءها على المقاييس الهندسية لعثر فيها على عوج في غير موضع، لا يدرك ذلك بحاسة البصر ولكن بالقياس الهندسي، فنفى الله عز وعلا ذلك العوج الذي دق ولطف عن الإدراك، اللهم إلا بالقياس الذي يعرفه صاحب التقدير والهندسة، وذلك الاعوجاج لما لم يدرك إلا بالقياس دون الإحساس لحق بالمعاني فقيل فيه عوج بالكسر. الأمت: النتو اليسير، يقال مد حبله حتى ما فيه أمت، أضاف اليوم إلى وقت نسف الجبال في قوله (يومئذ) أي يوم إذ نسفت، ويجوز أن يكون بدلا بعد بدل من يوم القيامة. والمراد الداعي إلى المحشر قالوا هو إسرافيل قائما على صخرة بيت المقدس يدعو الناس فيقبلون من كل أوب إلى صوبه لا يعدلون (لا عوج له) أي لا يعوج له مدعو بل يستوون إليه من غير
(٥٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 548 549 550 551 552 553 554 555 556 557 558 ... » »»