الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٥٤٤
قالوا يا موسى إما أن تلقى وإما أن نكون أول من ألقى. قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحر هم أنها تسعى. فأوجس في نفسه خيفة موسى. قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى. وألق ما في يمينك
____________________
فعلا مخصوصا وهو فعل المفاجأة، والجملة ابتدائية لا غير، فتقدير قوله تعالى - فإذا حبالهم وعصيهم - ففاجأ موسى وقت تخييل سعى حبالهم وعصيهم وهذا تمثيل، والمعنى على مفاجأته حبالهم وعصيهم مخيلة إليه السعي.
وقرئ (عصيهم) بالضم وهو الأصل والكسر اتباع ونحوه دلى ودلى وقسى وقسى. وقرئ (تخيل) على إسناده إلى ضمير الحبال والعصى، وإبدال قوله (أنها تسعى) من الضمير بدل الاشتمال كقولك أعجبني زيد كرمه، وتخيل على كون الحبال والعصى مخيلة سعيها، وتخيل بمعنى تتخيل وطريقه طريق تخيل ونخيل على أن الله تعالى هو المخيل للمحنة والابتلاء. يروى أنهم لطخوها بالزئبق، فلما ضربت علها الشمس اضطربت واهتزت فخيلت ذلك. إيجاس الخوف إضمار شئ منه، وكذلك توجس الصوت تسمع نبأة يسيرة منه وكان ذلك لطبع الجبلة البشرية وأنه لا يكاد يمكن الخلو من مثله، وقيل خاف أن يخالج الناس شك فلا يتبعوه (إنك أنت الأعلى) فيه تقرير لغلبته وقهره وتوكيد بالاستئناف وبكلمة التشديد وبتكرير الضمير وبلام التعريف وبلفظ العلو وهو الغلبة الظاهرة وبالتفضيل. وقوله (ما في يمينك) ولم يقل عصاك جائز أن يكون تصغيرا لها: أي لا تبال بكثرة حبالهم وعصيهم، وألق العويد الفرد الصغير الجرم الذي في يمينك فإنه بقدرة الله يتلقفها على وحدته وكثرتها وصغره وعظمها، وجائز أن يكون تعظيما لها: أي لا تحتفل بهذه الأجرام الكبيرة الكثيرة فإن في يمينك شيئا أعظم منها كلها،
(٥٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 539 540 541 542 543 544 545 546 547 548 549 ... » »»