الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٥٣٨
فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى. قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى. قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى. فأتياه فقولا إنا رسولا ربك فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم
____________________
ويستخلصه لنفسه ولا يبصر ولا يسمع إلا بعينه وأذنه ولا يأتمن على مكنون سره إلا سواء ضميره. الونى: الفتور والتقصير. وقرئ تنيا بكسر حرف المضارعة للإتباع: أي لا تنسياني ولا أزال منكما على ذكر حيثما تقلبتما واتخذا ذكرى جناحا تطيران به مستمدين بذلك العون والتأييد من معتقدين أن أمرا من الأمور لا يتمشى لأحد إلا بذكرى، ويجوز أن يريد بالذكر تبليغ الرسالة، فإن الذكر يقع على سائر العبادات وتبليغ الرسالة من أجلها وأعظمها، فكان جديرا بأن يطلق على اسم الذكر. روى أن الله تعالى أوحى إلى هارون وهو بمصر أن يتلقى موسى، وقيل سمع بمقبله، وقيل ألهم ذلك. قرئ (لينا) بالتخفيف والقول اللين نحو قوله تعالى - هل لك إلى أن تزكى وأهديك إلى ربك فتخشى - لأن ظاهره الاستفهام والمشورة وعرض ما فيه الفوز العظيم، وقيل عداه شبابا لا يهرم بعده وملكا لا ينزع منه إلا بالموت، وأن تبقى له لذة المطعم والمشرب والمنكح إلى حين موته. وقيل لا تجبهاه بما يكره وألطفا له في القول لما له من حق تربية موسى ولما ثبت له من مثل حق الأبوة. وقيل كنياه وهو من ذوي الكنى الثلاث أبو العباس وأبو الوليد وأبو مرة، والترجي لهما: أي اذهبا على رجائكما وطمعكما وباشرا الأمر مباشرة من يرجو ويطمع أن يثمر عمله ولا يخيب سعيه فهو يجتهد بطوقه ويحتشد بأقصى وسعه وجدوى إرسالهما إليه مع العلم بأنه لن يؤمن إلزام الحجة وقطع المعذرة - ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك - أي يتذكر ويتأمل فيبذل النصفة من نفسه والإذعان للحق (أو يخشى) أن يكون الأمر كما تصفان فيجره إنكاره إلى الهلكة. فرط سبق وتقدم، ومنه الفارط الذي يتقدم الواردة وفرس فرط يسبق الخيل أي تخاف أن يعجل علينا بالعقوبة ويبادرنا بها. وقرئ (يفرط) من أفرطه غيره إذا حمله على العجلة خافا أن يحمله حامل على المعاجلة بالعقاب من شيطان أو من جبروته واستكباره وادعائه بالربوبية، أو من حبه الرياسة، أو من قومه القبط المتمردين الذين حكمي عنهم رب العزة - قال الملأ من قومه - وقال الملأ من قومه - وقرئ يفرط من الإفراط في الأذية: أي نخاف أن يحول بيننا وبين تبليغ الرسالة بالمعاجلة. أو يجاوز الحد في معاقبتنا إن لم يعاجل بناء على ما عرفا وجربا من شرارته وعتوه (أو أن يطغى) بالتخطي إلى أن يقول فيك ما لا ينبغي لجرأته عليك وقسوة قلبه، وفى المجئ به هكذا على الإطلاق وعلى سبيل الرمز باب من حسن الأدب وتحاش عن التفوه بالعظيمة (معكما) أي حافظكما وناصركما (أسمع وأرى) ما يجرى بينكما وبينه من قول وفعل فأفعل ما يوجبه حفظي ونصرتي لكما، فجائز أن يقدر أقوالكم وأفعالكم، وجائز أن لا يقدر شئ وكأنه قيل: أنا حافظ لكما وناصر سامع مبصر، وإذا
(٥٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 533 534 535 536 537 538 539 540 541 542 543 ... » »»