الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٥٤٥
تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى. فألقى السحرة سجدا قالوا آمنا برب هارون وموسى. قال أأمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبير كم
____________________
وهذه على كثرتها أقل شئ وأنزره عنده فألقه يتلقفها بإذن الله ويمحقها. وقرئ (تلقف) بالرفع على الاستئناف أو على الحال: أي ألقها متلقفة. وقرئ تلقف بالتخفيف (صنعوا) ههنا بمعنى زوروا وافتعلوا كقوله تعالى - تلقف ما يأفكون - قرئ (كيد ساحر) بالرفع والنصب فمن رفع فعلى أن ما موصولة، ومن نصب فعلى أنها كافة.
وقرئ كيد سحر بمعنى ذي سحر أو ذوي سحر أو هم لتوغلهم في سحر هم كأنهم السحر بعينه وبذاته، أو بين الكيد لأنه يكون سحرا وغير سحر كما تبين المائة بدرهم ونحوه علم فقه وعلم نحو. فإن قلت: لم وحد ساحر ولم يجمع؟
قلت: لأن القصد في هذا الكلام إلى معنى الجنسية لا إلى معنى العدد، فلو جمع لخيل أن المقصود هو العدد، ألا ترى إلى قوله (ولا يفلح الساحر) أي هذا الجنس. فإن قلت: فلم نكر أولا وعرف ثانيا؟ قلت: إنما نكر من أجل تنكير المضاف لا من أجل تنكيره في نفسه كقول العجاج * في سعى دنا طالما قد مدت * وفى حديث عمر رضي الله عنه: لا في أمر دنيا ولا في أمر آخرة. المراد تنكير الأمر كأنه قيل: إن ما صنعوا كيد سحري وفى سعى دنيوي وأمر دنيوي وآخري (حيث أتى) كقولهم حيث سير وأية سلك وأينما كان. سبحان الله ما أعجب أمرهم، قد ألقوا حبالهم وعصيهم للكفر والجحود ثم ألقوا رؤوسهم بعد ساعة للشكر والسجود، فما أعظم الفرق بين الإلقاءين، وروى أنهم لم يرفعوا رؤوسهم حتى رأوا الجنة والنار ورأوا ثواب أهلها. وعن عكرمة: لما خروا سجدا أراهم الله في سجودهم منازلهم التي يصيرون إليها الجنة (لكبير كم) لعظيمكم، يريد أنه أسحرهم وأعلاهم درجة في صناعتهم، أو لمعلمكم من قول أهل مكة للمعلم أمرني كبيري وقال لي كبيري، كذا يريدون معلمهم وأستاذهم في القرآن
(٥٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 540 541 542 543 544 545 546 547 548 549 550 ... » »»