الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٥٥٠
ما أخلفنا موعدك بملكنا ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامري. فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار فقالوا هذا إلهكم وإله موسى فنسى أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا. ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري. قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى. قال يا هارون ما منعك إذا رأيتهم ضلوا. ألا تتبعن أفعصيت أمري. قال يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني
____________________
زماني بسبب مفارقتك، وعدوه أن يقيموا على أمره وما تركهم عليه من الإيمان فأخلفوا موعده بعبادتهم العجل (بملكنا) قرئ بالحركات الثلاث: أي ما أخلقنا موعدك بأن ملكنا أمرنا: أي لو ملكنا أمرنا وخلينا وراءنا لما أخلفناه ولكنا غلبنا من جهة السامري وكيده: أي حملنا أحمالا من حلى القبط التي استعرناها منهم، أو أراد بالأوزار أنها آثام وتبعات لأنهم كانوا في حكم المستأمنين في دار الحرب وليس للمستأمن أن يأخذ مال الحربي، على أن الغنائم لم تكن تحل حينئذ (فقذفناها) في نار السامري التي أوقدها في الحفرة وأمرنا أن نطرح فيها الحلى وقرئ حملنا (فكذلك ألقى السامري) أراهم أنه يلقى حليا في يده مثل ما ألقوا، وإنما ألقى التربة التي أخذها من موطئ حيزوم فرس جبريل أوحى إليه وليه الشيطان أنها إذا خالطت مواتا صار حيوانا (فأخرج لهم) السامري من الحفرة عجلا خلقه الله من الحلى التي سبكتها النار يخور كما تخور العجاجيل. فإن قلت: كيف أثرت تلك التربة في إحياء الموات؟ قلت: أما يصح أن يؤثر الله سبحانه روح القدس بهذه الكرامة الخاصة كما آثره بغيرها من الكرامات، وهى أن يباشر فرسه بحافره تربة إذا لاقت تلك التربة جمادا أنشأه الله إن شاء عند مباشرته حيوانا، ألا ترى كيف أنشأ المسيح من غير أب عند نفخه في الدرع. فإن قلت: فلم خلق الله العجل من الحلى حتى صار فتنة لبني إسرائيل وضلالا؟ قلت: ليس بأول محنة محن الله بها عباده ليثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفى الآخرة ويضل الله الظالمين، ومن عجب من خلق العجل فليكن من خلق إبليس أعجب. والمراد بقوله - إنا قد فتنا قومك - هو خلق العجل للامتحان: أي امتحناهم بخلق العجل، وحملهم السامري على الضلال وأوقعهم فيه حين قال لهم (هذا إلهكم وإله موسى فنسى) أي فنسى موسى أن يطلبه ههنا وذهب يطلبه عند الطور أو فنسى السامري: أي ترك ما كان عليه من الإيمان الظاهر (يرجع) من رفعه فعلى أن أن مخففة من الثقيلة، ومن نصب فعلى أنها الناصبة للأفعال (من قبل) من قبل أن يقول لهم السامري ما قال: كأنهم أول ما وقعت عليه أبصارهم حين طلع من الحفرة افتتنوا به واستحسنوه، فقبل أن ينطق السامري بادرهم هارون عليه السلام بقوله (إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن). لا مزيدة، والمعنى: ما منعك أن تتبعني في الغضب لله وشدة الزجر عن الكفر والمعاصي: هلا قاتلت من كفر بمن آمن ومالك لم تباشر الأمر كما كنت أبا شره أنا لو كنت شاهدا أو مالك تلحقني قرئ (بلحيتي) بفتح اللام وهى لغة أهل الحجاز كان موسى صلوات الله عليه رجلا حديدا مجبولا على الحدة
(٥٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 545 546 547 548 549 550 551 552 553 554 555 ... » »»