شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ١٥٤
على الخصال التي بناء العقل عليها أعني نور التفكر وطرايف الحكمة ونور العبرة (فكأنما أعان هواه) وهو ميل النفس الأمارة بالسوء إلى ما يقتضى طباعها من اللذات الدنيوية الغانية إلى حد الخروج من حدود الشريعة (على هدم عقله) وهو نور يسلك به الإنسان طريق الجنان وعبادة الرحمن فيصل إلى السعادة التامة الكبرى وهي مشاهدة الحضرة الربوبية ومجاورة الملاء الأعلى في مقعد صدق عند مليك مقتدر، وذلك لظهور أن أتباع النفس الأمارة بالسوء لميولها الطبيعية وسيرها في سبيل هواها واشتغالها باستيفاء مقتضاها أشد صدمة على العقل وأقوى ظلمة في طمس نوره، وأكمل جاذب له عن طريق الحق، وأظهر ساد له عن قصد الكمالات والترقي في ملكوت السماوات كما نقل عن سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله) «ثلاث مهلكات شح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه (1)» (ومن أفسد عليه عقله أفسد عليه دينه ودنياه) أما إفساد الدين فلان استقامته إنما هي بادراك أحوال المبدء والمعاد والتصديق بها والعمل بما ينبغي أن يعمل والانزجار عما ينبغي أن يترك، والمدرك لهذه الأمور والدليل عليها والحاكم بحقيقتها إنما هو العقل فإذا فسد العقل فسد الدين وأما إفساد الدنيا مع أنه روي عن علي بن الحسين عن أبيه عن جده (عليه السلام) قال: «وكل الرزق بالحمق، ووكل الحرمان بالعقل» (2) وروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) «أن العقل ما عبد الرحمن واكتسب به الجنان» (3) وأما الذي يتوصل به إلى الأغراض الدنيوية بالمكر والحيل مثل ما في معاوية وأضرابه فتلك شيطنة ونكراء وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل، فوجهه أمران: الأول: أن الدنيا المعتبرة عند أهل البيت (عليهم السلام) هي التي تكون معبرة يعبر بها إلى الآخرة كما دل عليه قولهم: «الدنيا مزرعة الآخرة» (4) فالدنيا عندهم ما يهيىء به المؤمن أمر آخرته ويجعله وسيلة إلى تحصيل فوائدها وذريعة إلى تكميل عوائدها، وظاهر أن هذه الدنيا لا يمكن استقامتها ولا يتيسر استفادتها بدون العقل، إذ غير العاقل لا يأمن وقوعه في الشبهات ووروده على المحرمات واستقراره في المهلكات. الثاني: أن كثرة الرزق وحصول الدنيا وإن كان منوطا بالبطالة والحماقة ومربوطا بالسفاهة والجهالة لكن الأحمق لا يأمن وقوعه في أشنع المهالك وسلوكه في أقبح المسالك وتورطه في أعظم الشدائد والمكاره الموجبة لهلاكه وفساد دنياه كما يشهد به المشاهدة.
(يا هشام كيف يزكو) أي كيف يطهر عن أعراض الدنيا وشوائب النقصان أو كيف يزيد وينمو

١ - رواء الصدوق في الخصال أبواب الثلاثة.
2 - رواه الكليني في كتاب الروضة تحت رقم 277 وزاد «ووكل البلاء بالصبر» 3 - الكافي كتاب العقل والجهل تحت رقم 3.
4 - أخرجه الديلمي في مسند الفردوس كما في كنوز الحقايق للشيخ عبد الرؤف المناوي تحت عنوان الدال.
(١٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 159 ... » »»
الفهرست