إلى غير ذلك. وفي العرف: ذوات الأربع، وهو قريب منه، فإذا جرى العرف على غير ذلك اتبع، لان المتكلم يقصد المتعارف عنده، فالمدني إذا قال وكلتك بشراء دابة لا يقصد منها إلا الحمار، فهو كما لو سماه وفي بعض الجهات يريدون بالحيوان الحمار، ولا يعرفون لحيوان معنى سواه. وفي دمشق يباع ثياب معلومة من القطن في سوق معين بعد صلاة العصر، فلو وكل أحدا ممن يتعاطاها أن يشتري له ثوبا لم ينصرف إلا لها، وعلى هذا يقاس قوله: وإن متوسطة وهي جهالة النوع الغير المحض وهو ما تفاوتت أفراده تفاوتا فاحشا كعبد، ولذا لا يجري فيه الجبر على القسمة.
قال في النهاية: وحال هذا أن الجهالة لا تخلو ما إن كانت في المعقود عليه وهو المبيع والمشتري، أو في المعقود به وهو الثمن، فالجهالة بالمعقود عليه لا تخلو من ثلاثة أوجه: جهالة فاحشة:
وهي ما كانت في الجنس مثل التوكيل بشراء الثوب والدابة والرقيق، فلا يصح سواء سمي الثمن أو لم يسم، لان اسم الرقيق يتناول الذكر والأنثى، وهما من بني آدم جنسان مختلفان، حتى لو اشترى شخصا على أنه غلام فإذا هو جارية كان البيع باطلا، وكذلك اسم الدابة يقع على ما يدب على وجه الأرض، دليله قوله تعالى: * (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها) * (هود: 6) وجهالة يسيرة:
وهي ما كنت في النوع المحض كالتوكيل بشراء شاة أو بقر أو فرس أو ثوب هروي أو جارية تركية أو هندية وهو صحيح بين الثمن أو لم يبين. وجهالة متوسطة بين منزلة الجنس والنوع، كالتوكيل بشراء عبد أو جارية أو دار أو لؤلؤ، فهذه الأشياء ملحقة بالجنس من وجه، لان اختلاف العبد والجواري أكثر من اختلاف سائر الأنواع، وعادة الناس في ذلك مختلفة، فإذا لم يسم الثمن أو الصفة ألحق بمجهول لجنس، وإذا سمى الثمن أو الصفة بأن قال تركي أو هندي ألحق بمجهول النوع، وهذا لان العبيد جنس واحد باعتبار منفعة العمل أجناس مختلفة باعتبار منفعة الجمال وأن منفعة الجمال مطلوبة من بني آدم، ولهذا يجعل رؤية الوجه من بني آدم كرؤية الكل في إسقاط خيار الرؤية. وفي هذه المنفعة يختلف التركي والهندي اختلافا فاحشا، فكان جنسا واحدا من وجه دون وجه، فألحقناه بالجنس الواحد عند بيان الثمن والصفة والجنس المختلف إذ لم يبين أحدهما عملا بالشبهين، ولنا جهالة جنس المعقود به لا تمنع صح التوكيل، حتى أن من وكل ببيع عين من أعيان ماله جاز وإن لم يبين الثمن، وجاز له أن يبيع بأي ثمن شاء عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى، لان المعقود به اكتساب المالية، والأجناس كله في المالية سواء، فمن هذا الوجه اتحد الجنس ولا يختلف، وأما المعقود عليه فالمالية كما هي مقصودة فمرافق أخر أيضا مقصودة كالسن والركوب، وباعتبارها يختلف الجنس. فلم تجز الوكالة عند اختلاف الجنس كذلك، ولهذا قلنا: لا يشترط بيان الجنس، ولا بيان النوع في المضاربة إذ المقصود بها اكتساب المالية، والأنواع والأجناس سواء في اعتبار المالية. كذا ذكره الامام المرغيناني والمحبوبي رحمهما الله تعالى. والأصل: أن الجهالة اليسيرة تتحمل في الوكالة كجهالة الوصف استحسانا، وإنما قيد بقولها استحسانا لان القياس يأباه.
فإن قلت: قد ذكر في المبسوط: وإن سمي الجنس والنوع ولم يبين الصفة جازت الوكالة، سواء سمي الثمن أو لم يسم، وهذا استحسان. وفي القياس: لا يجوز ما لم يبين الصفة. وجه القياس: أن التوكيل بالبيع والشراء معتبر بنفس البيع والشراء، فلا يجوز إلا ببيان وصف المعقود عليه، ألا ترى أنا نجعل الوكيل كالمشتري لنفسه، ثم كالبائع من الموكل، وفي ذلك الجهالة تمنع الصحة فكذا فيما اعتبر