ثم اعلم أن هذه المذكورات يفترض بعضها عن بعض، من حيث إن ما كان منها إسقاطا يضيفه الوكيل إلى نفسه مع التصريح بالموكل، فيقول زوجتك فلانة وصالحتك عما تدعيه على فلان من المال أو الدم، أما ما كان منها تمليكا لعين أو منفعة أو حفظ فلا يضيفه إلى نفسه بل إلى الموكل فقط، كقوله لفلان كذا أو أودعه كذا أو أقرضه كذا فلا بد في هذا من إخراج كلامه مخرج الرسالة، فلا يصح أن يقول هبني كذا كما مر ولا هبني لفلان وأودعني لفلان، وعلى هذا فقولهم التوكيل بالاستقراض باطل، معناه: أنه في الحقيقة رسالة لا وكالة، فلو أخرج الكلام مخرج الوكالة لم يصح، بل لا بد من إخراجه مخرج الرسالة كما قلنا. وبه علم أن ذلك غير خاص بالاستقراض، بل كل ما كان تمليكا إذا كان الوكيل من جهة طالب التملك لا من جهة المملك، فإن التوكيل بالاقراض والإعارة صحيح لا بالاستقراض والاستعارة، بل هو رسالة. هذا ما ظهر لي فتأمله. أفاده سيدي الوالد رحمه الله تعالى آمين. قوله: (كنكاح) فلو لم يضف النكاح إلى الموكل، وأضافه إلى نفسه وقع له. قال في البحر معزيا للبزازية: الوكيل بالطلاق والعتاق إذا أخرج الكلام مخرج الرسالة بأن قال إن فلانا أمرني أن أطلق أو أعتق ينفذ على الموكل، لان عهدتهما على الموكل على كل حال، ولو أخرج الوكيل الكلام في النكاح والطلاق مخرج الوكالة بأن أضاف إلى نفسه صح إلا في النكاح. والفرق في أن الطلاق أضافه إلى الموكل معنى لأنه بناه على ملك المتعة والرقبة وهو للموكل، وأما في النكاح فذمة الوكيل قابل للمهر، حتى لو كان وكيلا بالنكاح من جانبها وأخرج الكلام مخرج الوكالة لا يصير مخالفا لإضافته إلى المرأة معنى، لان صحة النكاح بملك البضع وهو لها فكأنه قال ملكتك بضع موكلتي. وفي الجوهرة: إذا قال أبو الصغير زوجها من ابنك فقال الأب قبلت ولم يقل لابني جاز النكاح للابن، لان الايجاب له والقبول يتقيد به فصار كقوله قبلت لابني ولو قال زوجت ابنتي ولم يزد وقع للأب هو الصحيح. وينبغي للوكيل بالنكاح أن يقول قبلت لأجل فلان.
واعلم أن ما في البزازية من أنه لو أضاف الطلاق إلى نفسه يصح. حكاه في جامع الفتاوي بقيل حيث قال: ولو قال أنت مني طالق أو أنت طالق مني لم يقع، وقيل يقع، وقوله مني لغو. قال:
واستفيد الوقوع بأنت طالق من غير إضافة بالاتفاق انتهى. قوله: (وصلح عن دم عمد أو عن إنكار) ومثله عن السكوت: يعني أن زيدا إذا ادعى دارا على عمرو فوكل عمرو وكيلا على أن يصالح على المائة فيقول زيد صالحت عن دعوى الدار على عمرو بالمائة ويقبل الوكيل فيتم الصلح، ولا فرق بين أن يكون الصلح عن إنكار أم عن إقرار كما في صدر الشريعة. ورد عليه ابن كمال بقوله: هذا الصلح لا تصح إضافته إلى الوكيل، بخلاف الصلح عن إقرار فإنه تصح إضافته إلى كل منهما، وقد عرفت اختلاف الإضافة في الموضعين فافترق الصلحان في الإضافة. قال العلامة أبو السعود: قال الشيخ باكير: في التقييد بكون الصلح عن إنكار نظر، فإنه لا فرق في الصلح بين أن يكون عن إنكار أو عن إقرار في الإضافة، فإن زيدا إذا ادعى على عمرو فوكل عمرو وكيلا على أن يصالح على مائة فإذا قال زيد صالحت عن دعوى الدار على عمرو بالمائة وقبل الوكيل هذا الصلح يتم الصلح، سواء كان عن إقرار أو إنكار، إلا أنه إذا كان عن إقرار يكون كالبيع فترجع الحقوق إلى الوكيل كما في البيع فتسليم بدل الصلح على الوكيل، وإذا كان عن إنكار فهو فداء يمين في حق المدعى عليه، فالوكيل سفير محض فلا ترجع إليه الحقوق. حموي.