الشهود سرا وعلنا لو جرحوا قبل التعديل إنما هو قول الامامين المشترطين لذلك لجواز القضاء بشهادة الشهود لا على قول الإمام القائل أن القاضي يكتفي بظاهر العدالة، كما تقدم بيان الخلاف بينهم فجعل وجود هذا الجرح كعدمه، فلا يصح قول صدر الشريعة: قبلت الشهادة قبل الجرح لأنه لا معنى لقبولها إلا الحكم لها، ولو حكم بفسقهم بهذه الشهادة لم يصح تزكيتهم بعدها كما قاله ابن الكمال، ولم يجز الحكم بشهادتهم على قول أحد من أئمتنا فيخالف ما قاله البرجندي، فمن قال: إن الخلف هنا لفظي فمن عدم علمه بما يقول كما هو عادته ا ه. لأنا نقول: إعمال الكلام أولى من إهماله. ثانيا: لما علمت من إرجاع الأقوال لبعضهم وعدم المخالفة بين كلامهم جميعا، فارجع إلى ما قدمناه وعض عليه بالنواجذ.
قوله: (على الجرح المجرد) الأولى الاتيان بالباء بدل على وفي نسخة المفرد ولا حاجة إليه، بل زيادة محضة لان الكلام في التمثيل له. قوله: (بأنهم فسقة الخ) إنما لم تقبل لان البينة إنما تقبل على ما يدخل تحت الحكم وفي وسع القاضي إلزامه، والفسق مما لا يدخل تحت الحكم، وليس في وسع القاضي إلزامه لأنه يدفعه بالتوبة، ولأن الشاهد صار بهذه الشهادة فاسقا لان فيها إشاعة الفاحشة بلا ضرورة وهي حرام بالنص. والمشهود به لا يثبت بشهادة الفاسق ولا يقال فيه ضرورة، وهي كف الظالم عن الظلم بأداء الشهادة الكاذبة، وقال قال عليه الصلاة والسلام: انصر أخاك ظالما أو مظلوما لأنه لا ضرورة إلى هذه الشهادة على ملا من الناس، ويمكنه كفه عن الظلم بإخبار القاضي بذلك سرا. بحر.
وفي القنية من الحدود: ولو قال له: يا فاسق ثم أراد أن يثبت فسقه لا تقبل. قوله: (أو زناة) أي عادتهم الزنا أو أكل الربا أو الشرب، وفي هذا لا يثبت الحد، بخلاف ما يأتي من أنهم زنوا أو سرقوا مني الخ لأنها شهادة على فعل خاص موجب للحد، هكذا ظهر لسيدي الوالد رحمه الله تعالى. قال ط: وهو في لأول محمول على ما إذا كان السبب متقادما، وفي الثاني على غير المتقادم، والتقادم بزوال الريح في غيره بشهر.
قال المقدسي: ويمكن أن يفرق بما هو أظهر من ذلك بأن قولهم شربة أو زناة أو أكلة ربا اسم فاعل، وهو قد يكون بمعنى الاستقبال فلا يقطع بوصفهم بما ذكر، بخلاف الماضي من قولهم شربوا أو زنوا أو نحوه ا ه بتصرف. وهذا هو المتبادر من تخصيصهم في التمثيل للأول باسم الفاعل وللثاني بالماضي، فالظاهر أنه هو المراد. والله تعالى أعلم. وفي الكلام الآتي ما يفيد أنهم قالوا زنوا ووصفوه أو سرقوا مني كذا وبينه أو شربة خمر ولم يتقادم العهد ا ه، فيحمل ما هنا على أنهم لم يقولوا ذلك ا ه.
قال الكمال: قد وقع في صور عدم القبول أن يشهدوا بأنهم فسقة أو زناة أو شربة الخمر، وفي صور القبول أن يشهدوا بأنه شرب أو زنى، لأنه ليس جرحا مجردا لتضمنه دعوى حق الله تعالى وهو الحد ويحتاج إلى جمع وتأويل ا ه.
قال في الشرنبلالية: قلت وبالله التوفيق: الجمع بينهما والتأويل بما ذكره الزيلعي أن الشاهد إذا أطلق في أنه زنى أو شرب الخمر أو سرق ولم يبين وقته لا تقبل للتقادم، فيحمل ما في صور الجرح على هذا، وإن بينه ولم يكن متقادما يقبل وعليه يحمل ما في صور القبول وهذه عبارته، وما ذكره الخصاف أن الشهادة على الجرح المجرد مقبولة، تأويله إذا أقامها على إقرار المدعي بذلك أو على التزكية، وعلى هذا ما ذكره في الكافي وغيره من أن الشهود لو شهدوا أن الشهود زناة أو شربة خمر لم تقبل، وإن شهدوا أنهم زنوا أو شربوا الخمر أو سرقوا تقبل، يحمل الأول على أنه إذا كان متقادما،