تكملة حاشية رد المحتار - ابن عابدين ( علاء الدين ) - ج ١ - الصفحة ٥٨٩
الخصومة كجرح الشهود إذا قال رشوته بكذا فعليه رده تقبل البينة، كذا هذا اه‍. وهذا إذا شهدوا على فسقه ولم يبينوه... وأما إذا بينوه بما يتضمن إثبات حق لله تعالى أو للعبد فإنها تقبل كما إذا قال له يا فاسق فلما رفع إلى القاضي ادعى أنه رآه قبل أجنبية أو عانقها أو خلا بها ونحو ذلك ثم أقام رجلين شهدا أنهما رأياه فعل ذلك فلا شك في قبولها وسقوط التعزير عن القاتل، لأنها تضمنت إثبات حق لله تعالى وهو التعزير على الفاعل، لان الحق لله تعالى لا يختص بالحد بل أعم منه ومن التعزير، وكذلك يجري هذا في جرح الشاهد بمثله وإقامة البينة عليه، وينبغي على هذا القاضي أن يسأل الشاتم عن سبب فسقه، فإن بين سببا شرعيا طلب منه إقامة البينة عليه، وينبغي أنه إن بين أن سببه بترك الاشتغال بالعلم مع الحاجة إليه أن يكون صحيحا، وفي مثل هذا لا يطلب منه البينة بلا يسأل المقول له عن الفرائض التي يفترض عليه معرفتها، فإن لم يعرفها ثبت فسقه فلا شئ على القائل له يا فاسق، لما صرح به في المجتبى من أن من ترك الاشتغال بالفقه لا تقبل شهادته اه‍.
أقول: أما قوله فلا شك في قبولها الخ، فإنه يأتي قريبا من الجرح المجرد الذي لا يقبل لو شهدوا على شهود المدعي بأنهم فسقة أو زناة أو أكلة الربا أو شربة الخمر أو على إقرارهم أنهم شهدوا بزور وأنهم أجراء في هذه الشهادة إلى آخر ما يأتي، ولا يخفى أن إقرارهم بشهادة الزور موجب للتعزير كما نذكر تمامه قريبا إن شاء الله تعالى، فتأمل. قوله: (فإن تضمنته) أي ما ذكر من حق الله تعالى أو العبد كما يأتي في المركب. قوله: (وإلا لا تقبل) لا حاجة إليه لأنه نفس المتن فهو تكرار. قوله: (بعد التعديل) ذكر في البحر: أن هذا التفصيل فيما إذا ادعاه الخصم وبرهن عليه جهرا، أما إذا أخبر القاضي به سرا وكان مجردا طلب منه البرهان عليه جهرا، فإذا برهن عليه سرا أبطل الشهادة لتعارض الجرح والتعديل فيقدم الجرح، فإذا قال الخصم للقاضي سرا إن الشاهد أكل ربا وبرهن عليه رد شهادته، كما أفاده في الكافي اه‍. ووجهه أنه لو كان البرهان جهرا لا يقبل على الجرح المجرد لفسق الشهود به بإظهار الفاحشة، بخلاف ما إذا شهدوا سرا كما بسطه في البحر.
وحاصله: أنها تقبل على الجرح ولو مجردا أو بعد التعديل لو شهدوا به سرا، وبه يظهر أنه لا بد من التقييد لقول المصنف لا تقبل بعد التعديل بما إذا كان جهرا، وظاهر كلام الكافي أن الخصم لا يضره الاعلان بالجرح المجرد كما في البحر: أي لأنه إذا لم يثبته بالشهود سرا وفسق بإظهار الفاحشة لا يسقط حقه، بخلاف الشهود فإنها تسقط شهادتهم بفسقهم بذلك، وكذا يقبل عند سؤال القاضي.
قال في البحر أول الباب المار: وقد ظهر من إطلاق كلامهم هنا أن الجرح يقدم على التعديل سواء كان مجردا أو لا عند سؤال القاضي عن الشاهد، والتفصيل الآتي من أنه إن كان مجردا لا تسمع البينة به أولا فتسمع إنما هو عند طعن الخصم في الشاهد علانية اه‍. هذا وقد مر قبل هذا الباب أنه لا يسأل عن الشاهد بلا طعن من الخصم، وعندهما يسأل مطلقا، والفتوى على قولهما من عدم الاكتفاء بظاهر العدالة، وحينئذ فكيف يصح القول برد الشهادة على الجرح المجرد قبل التعديل؟
وأجاب السائحاني بأن من قال تقبل أراد أنه لا يكفي حينئذ ظاهر العدالة، ومن قال ترد أراد أن التعديل لو كان ثابتا أو أثبت بعد ذلك لا يعارضه الجرح المجرد فلا تبطل العدالة ا ه‍. ويشير إلى هذا قول ابن الكمال: فإن قلت: أليس الخبر عن فسق الشهود قبل إقامة البينة على عدالتهم يمنع القاضي عن قبول شهادتهم والحكم بها؟
(٥٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 584 585 586 587 588 589 590 591 592 593 594 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الأشربة 3
2 كتاب الصيد 18
3 كتاب الرهن 36
4 باب ما يجوز ارتهانه وما لا يجوز 49
5 باب الرهن يوضع على يد عدل 63
6 باب التصرف والجناية عليه وجنايته على غيره 69
7 فصل في مسائل متفرقة 83
8 كتاب الجنايات 91
9 باب القود فيما دون النفس 117
10 باب الشهادة في القتل واعتبار حالته 136
11 كتاب الديات 143
12 باب ما يحدثه الرجل في الطريق وغيره 164
13 باب جناية البهيمة والجناية عليها 175
14 باب جناية المملوك والجناية عليه 186
15 باب القسامة 201
16 كتاب المعاقل 218
17 كتاب الوصايا 226
18 باب الوصية بثلث المال 248
19 باب العتق في المرض 261
20 باب الوصية للأقارب وغيرهم 265
21 باب الوصية بالخدمة والسكنى والثمرة 275
22 باب الوصي 284
23 كتاب الخنثى 315
24 كتاب الفرائض 349
25 باب العول 380
26 باب توريث ذوي الأرحام 386
27 باب المخارج 399
28 مطلب تقرير في النظر بلا علمه 460
29 مطلب الناظر وكيل في حياة الواقف وصي في موته 460
30 مطلب الاجر بقدر المشقة 472
31 كتاب الشهادات 474
32 باب القبول وعدمه 520
33 مطلب إذا سكر الذمي لا تقبل شهادته 524
34 مطلب شهد أن الدائن أبرأهما وفلانا عن الانف 552
35 باب الاختلاف في الشهادة 616
36 باب الشهادة على الشهادة 646
37 مطلب علم القاضي ليس بحجة إلا في كتاب القاضي للضرورة اه‍ منه 652
38 مطلب في معنى قولهم الإساءة أفحش من الكراهة والكراهة أفحش من الإساءة 652
39 مطلب فلان بدون الألف واللام كناية عن الأناسي وبهما كناية عن البهائم 652
40 باب الرجوع عن الشهادة 663
41 مطلب في علة العلة 688
42 كتاب الوكالة 691
43 مطلب يشترط العلم للوكيل بالتوكيل 693
44 مطلب مسألة القمقمة 716
45 باب الوكالة بالبيع والشراء 724
46 مطلب الجهالة ثلاثة أنواع 724
47 مطلب حادثة الفتوى 742
48 فصل لا يعقد وكيل البيع والشراء مع ترد شهادته له 759
49 مطلب تفسير الخيرية 762
50 مطلب في حد الفاحش 767
51 مطلب الشركة مثل المضاربة في أن الأصل فيها الاطلاق 773
52 باب الوكالة بالخصومة والقبض 791
53 باب عزل الوكيل 813