تكملة حاشية رد المحتار - ابن عابدين ( علاء الدين ) - ج ١ - الصفحة ٥٨٠
كفر قال ابن الأثير في النهاية: السب: الشتم، يقال سب يسبه سبا وسبابا، قيل هذا محمول على من سبه أو قاتله من غير تأويل، وقيل إنما قال ذلك على جهة التغليظ لا أنه يخرجه إلى الكفر والفسق.
أقول: هذا خلاف الظاهر اه‍ ط.
قال في شرح المجمع للعيني: لا تقبل شهادة من يظهر سب السلف بالاجماع، لأنه إذا أظهر ذلك فقد أظهر فسقه، بخلاف من يكتمه لأنه فاسق مستور. ومثله في الجوهرة. وفي شرح الكنز للزيلعي: أو يظهر سب السلف: يعني الصالحين منهم وهم الصحابة والتابعون، لان هذه الأشياء تدل على قصور عقله وقلة مروءته. ومن لم يمتنع عن مثلها لا يمتنع عن الكذب عادة، بخلاف ما لو كان يخفي السب اه‍. قوله: (منهم أبو حنيفة) كذا ذكره الكردري في مناقبه، وتبعه صاحب العناية والحافظ الذهبي والحافظ العسقلاني وغيرهم.
وفي اصطلاح الفقهاء كما قال الشيخ عبد العال في فتاويه: السلف: الصدر الأول إلى محمد بن الحسن، والخلف: من محمد بن الحسن إلى شمس الأئمة الحلواني، والمتأخرون منه إلى الامام حافظ الدين البخاري. قوله: (عن أبي يوسف) الظاهر أن حكم هذا الفرع متفق عليه، لما سبق من قبول شهادة أهل الأهواء، إلا هوى يكفر به صاحبه لكفره إذا لم يكن فيه شبهة اجتهاد كهوى المجسمة والاتحادية والحلولية ونحوهم من غلاة الروافض ومن ضاهاهم، فإن أمثالهم لم يحصل منهم بذل وسع في الاجتهاد. فإن من يقول علي هو الاله أو بأن جبريل غلط ونحو ذلك من السخف إنما هو متبع مجرد الهوى، وهو أسوأ حالا ممن قال * (ما نعبدهم لا ليقربونا إلى الله زلفى) * (الزمر: 3) فإنه بلا شبهة كفر ومن أشد الكفر. أما من له شبهة فيما ذهب إليه وإن كان ما ذهب إليه عند التحقيق في حد ذاته كفرا كمنكر الرؤية وعذاب القبر ونحو ذلك، فإن فيه إنكار حكم النصوص المشهور والاجماع، إلا أن لهم شبهة قياس الغائب على الشاهد ونحو ذلك مما علم في الكلام، وكمنكر خلافة الشيخين والساب لهما فإن فيه إنكار حكم الاجماع القطعي، إلا أنهم ينكرون حجية الاجماع باتهامهم الصحابة، فكان لهم شبهة في الجملة وإن كانت ظاهرة البطلان بالنظر إلى الدليل، فبسبب تلك الشبهة التي أدى إليها اجتهادهم لم يحكم بكفرهم مع أن معتقدهم كفر احتياطا، بخلاف مثل ما ذكرنا من الغلاة.
وحاصله: أن المحكوم بكفره من أداه هواه وبدعته إلى مخالفة دليل قطعي لا يسوغ فيه تأويلا أصلا، كرد آية قرآنية أو تكذيب نبي، أو إنكار أحد أركان الاسلام ونحو ذلك، بخلاف غيرهم كمن اعتقد أن عليا هو الأحق بالخلافة وصاروا يسبون الصحابة، لأنهم منعوه حقه ونحوه فلا يحكم بكفرهم احتياطا وإن كان معتقدهم في نفسه كفرا: أي يكفر به من اعتقده بلا شبهة تأويل، وإنما نسب لأبي يوسف لأنه مخرجه. قوله: (من سب الصحابة) لأنه لو سب واحدا من الناس لا تقبل شهادته، فهذا أولى. قهستاني.
والحاصل: أن الحكم بالكفر على ساب الشيخين أو غيرهما من الصحابة مطلقا قول ضعيف لا ينبغي الافتاء به ولا التعويل عليه كما حققه سيدي الوالد رحمه الله تعالى في كتابه تنبيه الولاة والحكام فراجعه.
(٥٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 575 576 577 578 579 580 581 582 583 584 585 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الأشربة 3
2 كتاب الصيد 18
3 كتاب الرهن 36
4 باب ما يجوز ارتهانه وما لا يجوز 49
5 باب الرهن يوضع على يد عدل 63
6 باب التصرف والجناية عليه وجنايته على غيره 69
7 فصل في مسائل متفرقة 83
8 كتاب الجنايات 91
9 باب القود فيما دون النفس 117
10 باب الشهادة في القتل واعتبار حالته 136
11 كتاب الديات 143
12 باب ما يحدثه الرجل في الطريق وغيره 164
13 باب جناية البهيمة والجناية عليها 175
14 باب جناية المملوك والجناية عليه 186
15 باب القسامة 201
16 كتاب المعاقل 218
17 كتاب الوصايا 226
18 باب الوصية بثلث المال 248
19 باب العتق في المرض 261
20 باب الوصية للأقارب وغيرهم 265
21 باب الوصية بالخدمة والسكنى والثمرة 275
22 باب الوصي 284
23 كتاب الخنثى 315
24 كتاب الفرائض 349
25 باب العول 380
26 باب توريث ذوي الأرحام 386
27 باب المخارج 399
28 مطلب تقرير في النظر بلا علمه 460
29 مطلب الناظر وكيل في حياة الواقف وصي في موته 460
30 مطلب الاجر بقدر المشقة 472
31 كتاب الشهادات 474
32 باب القبول وعدمه 520
33 مطلب إذا سكر الذمي لا تقبل شهادته 524
34 مطلب شهد أن الدائن أبرأهما وفلانا عن الانف 552
35 باب الاختلاف في الشهادة 616
36 باب الشهادة على الشهادة 646
37 مطلب علم القاضي ليس بحجة إلا في كتاب القاضي للضرورة اه‍ منه 652
38 مطلب في معنى قولهم الإساءة أفحش من الكراهة والكراهة أفحش من الإساءة 652
39 مطلب فلان بدون الألف واللام كناية عن الأناسي وبهما كناية عن البهائم 652
40 باب الرجوع عن الشهادة 663
41 مطلب في علة العلة 688
42 كتاب الوكالة 691
43 مطلب يشترط العلم للوكيل بالتوكيل 693
44 مطلب مسألة القمقمة 716
45 باب الوكالة بالبيع والشراء 724
46 مطلب الجهالة ثلاثة أنواع 724
47 مطلب حادثة الفتوى 742
48 فصل لا يعقد وكيل البيع والشراء مع ترد شهادته له 759
49 مطلب تفسير الخيرية 762
50 مطلب في حد الفاحش 767
51 مطلب الشركة مثل المضاربة في أن الأصل فيها الاطلاق 773
52 باب الوكالة بالخصومة والقبض 791
53 باب عزل الوكيل 813