قال في الفتاوى الصغرى: ولا تسقط عدالة شارب الخمر بنفس الشرب، لان هذا الحد لم يثبت بنص قاطع إلا إذا داوم على ذلك اه. وهو غلط من ابن الكمال لما قدمناه عن المشايخ من التصريح بأن شربها كبيرة، ولمخالفتها للحديث المشهور في الكبائر أنها سبع، وذكر منها شرب الخمر اه. بل إنما شرط الادمان عليها للاشتهار لا لأنها صغيرة، لان الشهادة لا ترد إلا بالادمان وظهوره بالاشتهار.
وأما مجرد الشرب مع قطع النظر عن سقوط الشهادة فقد علمت أنه كبيرة ولو بقطرة، فلو تغفل.
قال السائحاني: أقول: نسبة الغلط إلى هذا الهمام في الفرق بين شرط الادمان للخمر وغيره من الأشربة غير مسلمة لما صرح قاضيخان في فتاواه. وعبارته: ولا تقبل شهادة مدمن الخمر ولا مدمن السكر لأنها كبيرة، وإنما شرط الادمان ليظهر ذلك عند الناس، فإن من اتهم بشرب الخمر في بيته لا تبطل عدالته وإن كانت كبيرة، وإنما تبطل إذا ظهر ذلك أو يخرج سكران يسخر منه الصبيان، لان مثله لا يحترز عن الكذب. وذكر الخصاف رحمه الله تعالى أن شرب الخمر يبطل العدالة. وقال محمد رحمه الله تعالى: ما لم يظهر ذلك يكون مستور الحال اه. وفي المقدسي: ومحمد شرط الادمان وهو الصحيح.
نعم إذا حمل الغلط على قول ابن الكمال إن شرب الخمر ليس بكبيرة يظهر لما قدمناه قريبا من أن شرب قطرة منه كبيرة. وفي البدائع: شرب الخمر أحيانا للتقوي لا للتلهي يكون عدلا، وعامة المشايخ لا يكون عدلا لان شرب الخمر كبيرة محضة اه. قوله: (قال وفي غير الخمر) قد علمت أنها يشترط فيها أيضا. قوله: (يشترط الادمان) قدمنا أنه اختلف في الادمان هل هو في الفعل أو النية على قولين محكيين فيه؟ وفي الاصرار، قال ابن كمال: إن الادمان بالعزم أمر خفي لا يصلح أن يكون مدارا لعدم قبول الشهادة، ومحصله أن ابن الكمال يميل إلى ترجيح اشتراط الادمان بالفعل لا بالنية، فراجعه.
قوله: (على اللهو) أي لأجل اللهو: أي وهو معروف، وأصله ترويح النفس بما لا تقتضيه الحكمة.
بحر عن المصباح، والمراد به أن لا يكون للتداوي فيدخل في اللهو الشرب للاعتياد.
قال في البحر: فأطلق اللهو على المشروب، وظاهره أنه لا بد من الادمان في حق الخمر أيضا.
قال في المنح: هو خلاف الظاهر من العبارة، لان الظاهر منها أن معنى مدمن الشرب: أي مداوم شرب الخمر على اللهو. قال الزيلعي: أي مداوم شرب الخمر لأجل اللهو لان شربها كبيرة. وقال منلا خسرو: ومدمن الشرب: أي شرب الأشربة المحرمة، فإن إدمان شرب غيرها لا يسقط الشهادة ما لم يكن على اللهو اه. فأفاد كلامه أن الشرب على اللهو إنما هو شرط في غير الأشربة المحرمة، أما فيها فلا يشترط، وهذا يوافق كلام صاحب البحر. والظاهر أن هذا هو الذي أحوجه إلى ذكره من حمل اللهو في كلام الكنز على المشروب، وهو مخالف لكلام الزيلعي، فإنه جعله شرطا في الخمر أيضا، وربما يناسبه كلام الشارح هنا، والظاهر خلافه لان شرب الخمر كبيرة ترد الشهادة بها سواء شربت على اللهو أم لا، وظاهر كلامهم أنه لابد من الادمان في حق الخمر أيضا. وأما إدمان شرب غير المحرم لا يسقط الشهادة ما لم يكن على اللهو، فجعل اللهو قيدا للشرب وحمله على شرب غير المحرمة هو الذي يظهر كما يظهر لي من كلامهم، والله تعالى الموفق. قوله: (لشبهة الاختلاف) قال في البحر: في قوله على اللهو إشارة إلى أنه لو شربها للتداوي لم تسقط عدالته لان للاجتهاد فيه مساغا اه. قال ط: والأصح الحرمة. نعم لو شرب لغصة شئ في حلقه ونحوه مما ينفسه لا محالة كان مباحا. قهستاني.