الشعر مع التصفيق بالكف كما قيده في البناية باللهو، وعبارة الزيادات تفيد التقييد بالشهرة، بأن يكون للناس، فافهم وتأمل. قوله: (فتأمل) والوجه أن اسم مغنية ومغن إنما هو في العرف لمن كان الغناء حرفته التي يكتسب بها المال وهو حرام، ونصوا على أن المغني للهو أو لجمع المال حرام بلا خلاف، وحينئذ فكأنه قال: لا تقبل شهادة من اتخذ التغني صناعة يأكل بها. وتمامه في الفتح وسيأتي قريبا.
قوله: (وأما المغني لنفسه لدفع وحشيته) من غير أن يسمع غيره فلا بأس به ولا تسقط عدالته في الصحيح، كذا في التبيين. وهو خلاف قول شيخ الاسلام كما علمت مما تقدم. وسئل ابن شجاع عن الذي يترنم في نفسه؟ قال: لا يقدح في عدالته. وفي البحر عن الفتح: التغني المحرم هو ما كان في اللفظ ما لا يحل كصفة الذكر والمرأة والمعينة الحية ووصف الخمر المهيج إليها، إلى أن قال: وأما القراءة بالألحان فأباحها قوم وحظرها قوم، والمختار إن كانت الألحان لا تخرج الحروف عن نظمها وقدوراتها فمباح وإلا فغير مباح، كذا ذكر، وقدمنا في باب الاذان ما يفيد أن التلحين لا يكون إلا مع تغيير مقتضيات الحروف فلا معنى لهذا التفصيل اه. قوله: (في العرس) والوليمة والأعياد. ومنهم من جوزه ليستفيد نظم القوافي إلى آخر ما قدمنا قريبا. قوله: (والمذهب حرمته مطلقا) هكذا حرر صاحب البحر مستدلا لما في الزيادات: إذا أوصى بما هو معصية عندنا وعند أهل الكتاب، وذكر منها الوصية للمغنين والمغنيات.
أقول، هذا على إطلاقه لان كلامنا في أنه متى يكون معصية على أن من أباحه مطلقا عمدة في المذهب وله دراية في كلام الزيادات، على أن تصحيح العيني وإطباق المتون هو المذهب كما لا يخفى.
قال سيدي الوالد رحمه الله تعالى: إن أراد أنه حرام مطلقا فهو مخالف لما حمله علي في البناية والعناية، فإنهما استدلا بعبارة الزيادات على أنه معصية لقصد اللهو فلم يجرياه على عمومه، فهو موافق لما قاله الامام السرخسي: فكان محتملا لكل من القولين. نعم ظاهره الاطلاق. وقد يقال: لفظة المغنين ظاهرة في أن المراد من اتخذه حرفة وعادة، ثم رأيت في الفتح قال: إن اسم مغنية ومغن إنما هو في العرف لما كان الغناء حرفته التي يكتسب بها المال، ألا ترى أنه إذا قيل ما حرفة فلان أو ما صناعته، يقال مغن كما يقال خياط وحداد إلى آخر كلامه.
وفي إيضاح الاصلاح: إنما قال يغني للناس: أي يسمعهم، لأنه لو كان لاسماع نفسه حتى يزيل الوحشة عن نفسه من غير أن يسمع غيره لا بأس به، ولا يسقط عدالته في الصحيح اه. وهكذا قال في شرح العيني، وإن أنشد شعرا فيه وعظ وحكمة فهو جائز بالاتفاق الخ ونحوه ما مر عن الفتح من قوله: المحرم هو ما كان الخ فتدبر اه.
أقول: وأنت خبير بأن ما ذكره من النصوص لا يؤيد الاطلاق. وعبارة الزيادات تفيد التقييد بالشهرة، وإنما يكون بها إذا كان للناس، وقد تبع الشارح المصنف في ذكر الاطلاق في منحه، والصحيح التفصيل كما علمت عن الهندية.