قال سيدي الوالد رحمه الله تعالى بعد كلام: والحاصل أن في المسألة قولين معتمدين.
أحدهما: عدم قبولها على العدو، وهذا اختيار المتأخرين وعليه صاحب الكنز والملتقى، ومقتضاه أن العلة العداوة لا لفسق وإلا لم تقبل على غير العدو أيضا ثانيهما: أنها تقبل إلا فسق بها، واختاره ابن وهبان وابن الشحنة اه. وهل حكم القاضي في العداوة حكم الشاهد؟ قال شارح الوهبانية: لم أقف عليه في كتب أصحابنا. وينبغي أن يكون الجواب فيه على التفصيل إن كان قضاؤه عليه بعلمه لا ينفذ، وإن كان بشهادة من العدول وبمحضر من الناس في مجلس الحكم بطلب خصم شرعي ينفذ. ذكره الحموي. وسياق كلام البرجندي يفيد أن شهادة العدو لعدوه مقبولة لعدم التهمة، وهذا بناء على أن العلة التهمة، أما إذا كانت العلة الفسق فلا فرق.
وقد اختلف تعليل المشايخ في ذلك. قال أبو السعود: ولعل في المسألة قولين: منهم من علل بالأول، ومنهم من علل بالثاني اه.
أقول: قد علمت ما قدمناه عن سيدي الوالد أنهما قولان معتمدان، وأن المتون على عدم قبولها وإن لم يفسق بها للتهمة. قوله: (إلا إذا كانت الصداقة متناهية) أي فإنها لا لا تقبل للتهمة. قوله: (بلا إصرار) أي تقبل من مرتكب صغيرة بلا إصرار، لان الالمام من غير إصرار لا يقدح في العدالة، إذ لا يوجد من البشر من هو معصوم سوى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فيؤدي اشتراط العصمة إلى سد باب الشهادة وهو مفتوح. أما إذا أصر عليها وفرح بها أو استخف، إن كان عالما يقتدى به فهي كبيرة كما ذكره بعضهم. قوله: (إن اجتنب الكبائر كلها وغلب صوابه على صغائره) الأولى أن يقول على خطئه، وأشار إلى أنه كان ينبغي أن يزيد وبلا غلبة. قال ابن الكمال: لان الصغيرة تأخذ حكم الكبيرة بالاصرار، وكذا بالغلبة على ما أفصح عنه في الفتاوى الصغرى حيث قال: العدل من يجتنب الكبائر كلها، حتى لو ارتكب كبيرة تسقط عدالته، وفي الصغائر العبرة للغلبة والدوام على الصغيرة لتصير كبيرة ولذا قال: وغلب صوابه. قوله: (وهو معنى العدالة) قال الكمال: أحسن ما نقل فيها عن أبي يوسف أن لا يأتي بكبيرة ولا يصر على صغيرة ويكون ستره أكثر من هتكه، وصوابه أكثر من خطئه، ومروءته ظاهرة، ويستعمل الصدق ويجتنب الكذب ديانة ومروءة اه.
قال القهستاني: من اجتنبي الكبائر وفعل مائة حسنة وتسعا وتسعين صغيرة فهو عدل، وإن فعل حسنة وصغيرتين ليس بعدل اه. قال في البحر: هي الاستقامة، وهي بالاسلام واعتدال العقل، ويعارضه (1) هوى يضله ويصده، وليس لكمالها حد يدرك مداه، ويكتفي لقبولها بأدناه كي لا تضيع الحقوق، وهو رجحان جهة الدين والعقل على الهوى والشهوة اه. وتمامه فيه. قوله: (كل فعل يرفض المروءة والكرم فهو كبيرة) أي كل فعل من الذنوب والمعاصي فهو كبيرة، إذ يبعد أن يقال: إن