تكملة البحر الرائق - الشيخ محمد بن حسين بن علي الطوري القادري الحنفي - ج ٣ - الصفحة ٢٣
يترك وفاء وله وارث يقتص وإن ترك وفاء ووارثا لا وإن قتل عبد الرهن لا يقتص
____________________
القصاص لا بملك أن يقتص وحده ولا ينفرد أحدهم بالاستيفاء، إذا كانوا كبارا حتى يجتمعوا لأنا لو أطلقنا للبعض الاستيفاء مع غيبة الباقين يؤدى إلى حق الباقين في الاستيفاء وكذلك ليس للسلطان استيفاؤه مع الكبير عنده خلافا لهما، حجتهم أن ملك القصاص ثابت في المحل للكل بدليل أنهم يملكون الاعتياض والعفو عنه ويستوفي بحكم الملك عن الاختيار، ولو مات أحدهم يورث نصيبه وهذه فوائد الملك وثمراته، وملك الصغير معصوم محترم وأثر العصمة أن لا يقدر أحد على إبطاله إلا بعوض له إذا استيفاؤه معجلا منجزا يكون منتظما دافعا للمفسدة وهي صون القود وحفظه عن نظيره، فالفوات إليها إما بجهة الغيبة أو بجهة الموت فإن مدة الصبا مدة مديدة والموت في هذه المدة المديدة غير نادر وتغيب القاتل نفسه على وجه لا يضلع أحد عليه مخافة على نفسه غالب وليس بنادر. قال رحمه الله: (مكاتب قتل عمدا وترك وفاء ووارثه سيده فقط أو لم يترك وفاء وله وارث يقتص) أما الأول وهو ما إذا ترك وفاء ولا وارث له سوى المال فالمذكور هنا هو قولهما، وعن محمد رحمه الله تعالى لا يجب القصاص لأن سبب الاستحقاق قد اختلف ولان المولى يستحقه بالولاية بأن مات حرا أو بالملك إن مات عبدا فاشتبه الحال فلا يستحق لأن اختلاف السبب كاختلاف المستحق فيسقط أصلا كما إذا كان له وارث غير المولى فصار كما لو قال لغيره يعني هذه الجارية بكذا وقال المولى زوجتها منك لا يحل له وطؤها لاختلاف الحكم. ولهما أن المولى هو المستحق للقصاص على التقديرين بيقين وهو معلوم فلا يضر مجرد اختلاف السبب لأن السبب لا يراد لذاته وإنما يراد لحكمه وقد حصل بخلاف المستشهد به لاختلاف حكم السببين ولا يدري بأيهما يحكم فلا يثبت الحل بدون تعيين السبب. وأما الثاني وهو ما إذا لم يترك وفاء له وراث غير المولى فلانه مات رقيقا لانفساخ الكتابة بموته لا عن وفاء فظهر أنه قتل عبدا عمدا فيكون القصاص للمولى بخلاف معتق البعض إذا قتل ولم يترك وفاء له حيث لا يجب القصاص لأن العتق في البعض لا يفسخ بموته عاجزا، ولان الاختلاف في أنه يعتق كله أو بعضه ظاهر فأشبه المستحق فأورث ذلك شبهة كالمكاتب إذا قتل عن وفاء. أقول: فيه نظر لأنه قد مر من قبل أن أصل أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله هو أن اختلاف السبب الذي لا يفضي إلى منازعة ولا إلى الاختلاف الحكم لا يبالي به ولهذا كان للمولى القصاص عندهما فيما إذا قتل المكاتب عمدا وليس له وراث سوى المال وترك وفاء، فكيف يتم تعليل عدم وجوب القصاص عند أبي حنيفة في مسألة معتق البعض إذا مات عاجزا بأن المولى يستحق القصاص في بعضه بالولاية وفي بعضه بالملك فلا يثبت له الاستحقاق بسببين مختلفين ولا إفضاء إلى المنازعة على مقتضى هذا التعليل ولا إلى الاختلاف في الحكم، فمن أين لا يثبت له الاستحقاق عنده بمجرد اختلاف السبب؟ ثم أقول: لعل المراد بقولهم بخلاف معتق البعض إذا مات ولم يترك
(٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 13 14 15 21 22 23 24 27 29 30 31 ... » »»
الفهرست