البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ٥ - الصفحة ٦٦
بشرعه. وأطلق في قوله قذف مرارا فشمل ما إذا كان المقذوف واحدا أو جماعة فقذفهم بكلمة واحدة أو بكلمات، وشمل ما إذا كان في يوم أو أيام وما إذا طلبوا الحد كلهم أو بعضهم، وما إذا حضروا أو حضر أحدهم كما في الخانية وغيرها، وما إذا جلد للقذف إلا سوطا ثم قذف آخر في المجلس فإنه يتم الأول ولا يثنى عليه للثاني للتداخل، وما إذا قذف عبدا فأعتق ثم قذف آخر فأخذه الأول فضرب أربعين ثم أخذه الثاني قالوا: فإنه يتم له ثمانين لأن الأربعين وقع لهما فيبقى للباقي أربعين، ولو قذف الآخر قبل أن يأتي به فالثمانون تكون لهما جميعا ولا يضرب ثمانين مستأنفا لأن ما بقي تمامه حد الأحرار فجاز أن يدخل فيه الأحرار. وفي المحيط:
رجل شرب الخمر فضرب بعض الحد ثم هرب ثم شرب ثانيا ضرب حدا مستقبلا، وكذا لو ضرب الزاني بعض الحد ثم هرب وزنى بأخرى، ولو ضرب القاذف بعض الحد فهرب ثم قذف آخر ثم قدم إلى القاضي ينظر، إن حضر المقذوف الثاني والأول جميعا يكمل الأول ويسقط الثاني لأنه يتداخل، وإن حضر الثاني دون الأول يضرب جلدا مستقبلا للثاني ويبطل الأول لأنه أمكن إقامة الحد للثاني لوجوه دعواه ولا يمكن الإقامة للأول لعدم دعواه اه‍. فتعين حمل ما تقدم من أنه لو جلد للقذف إلا سوطا إلى آخره على ما إذا حضرا جميعا، ومن أنه لو قذف جماعة يكتفي بحد واحد على ما إذا كان القذف لهم قبل أن يضرب البعض كما لا يخفى.
وشمل ما إذا قال لرجل يا ابن الزانيين فعليه حد واحد حيين كانا أو ميتين. وحكي أن ابن أبي ليلى سمع من يقول لرجل يا ابن الزانيين فحده حدين في المسجد فبلغ أبا حنيفة فقال:
يا للعجب لقاضي بلدتنا أخطأ في مسألة واحدة في خمس مواضع: الأول حده بدون طلب المقذوف. والثاني أنه لو خاصم وجب حد واحد. والثالث أنه إن كان الواجب عنده حدين ينبغي أن يتربص بينهما يوما أو أكثر حتى يخف أثر الضرب الأول. والرابع ضربه في المسجد. والخامس ينبغي أن يتعرف أن والديه في الاحياء أو لا، فإن كانا حيين فالخصومة لهما وإلا فالخصومة للابن. وأفاد بقوله فحد أن الحد وقع بعد الفعل المتكرر إذ لو حد للأول ثم فعل الثاني يحد حدا آخر للثاني، سواء كان قذفا أو زنا أو شربا كما صرح به في فتح القدير وغيره، لكن ينبغي أن يستثنى منه ما إذا قذف رجلا فحد له ثم عاد فقذفه ثانيا فإنه لا يحد ثانيا لأن المقصود وهو إظهار كذب القاذف ودفع العار عن المقذوف قد حصل بالأول فلا حاجة إلى الثاني، صرح به الشارح الزيلعي في حد السرقة عند مسألة سرقة العين ثانيا بعد ما قطع، ولا يخفي ما فيه فإن بالحد الأول لم يظهر كذبه في إخبار مستقبل إنما ظهر
(٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 ... » »»
الفهرست