البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ٥ - الصفحة ٦١
فاحش فقد صرح في المبسوط بأنه إذا قضى القاضي بحد القذف على القاذف ثم عفا المقذوف عنه بعوض أو بغير عوض لم يسقط الحد ولكن الحد وإن لم يسقط بعفوه فإذا ذهب العافي لا يكون للإمام أن يستوفيه لما بينا أن الاستيفاء عند طلبه وقد ترك الطلب إلا إذا عاد وطلب فحينئذ يقيم الحد لأن العفو كان لغوا فكأنه لم يخاصم إلى الآن اه‍. وفي غاية البيان معزيا إلى الشامل: لا يصح عفو المقذوف إلا أن يقول لم يقذفني أو كذب شهودي لأنه حق الله تعالى إلا أن خصومته شرط اه‍. ويدل عليه أيضا ما في كافي الحاكم: لو غاب المقذوف بعدما ضرب بعض الحد لم يتم الحد إلا وهو حاضر لاحتمال العفو فالعفو الصريح أولى فتعين حمل ما في فتح القدير على ما إذا عاد وطلب قوله: (ولو قال زنأت في الجبل وعنى الصعود حد) وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف. وقال محمد: لا بحد لأن المهموز منه للصعود حقيقة قالت امرأة من العرب:
وارق إلى الخيرات زنأ في الجبل وذكر الجبل يقرره مرادا. ولهما أنه يستعمل في الفاحشة مهموزا أيضا لأن من العرب من يهمز الملين كما يلين المهموز، وحالة الغضب والسباب تعين الفاحشة مرادا بمنزلة ما إذا قال يا زاني أو قال زنات، وذكر الجبل إنما يعين الصعود مرادا إذا كان مقرونا بكلمة على إذ هو المستعمل فيه. قيد بفي لأنه لو قال زنأت على الجبل قيل لا يحد، وقيل يحد للمعنى الذي ذكرنا. وفي غاية البيان: والمذهب عندي إذا كان هذا الكلام خرج على وجه الغضب والسباب يجب الحد لدلالة الحال على ذلك إذ لا يكون صعود الجبل سبا وإلا فلا للاحتمال والحد لا يجب بالاحتمال اه‍. وفي فتح القدير: والأوجه وجوب الحد حيث كان في الغضب. وقيد بقوله زنأت بالهمز إذ لو كان بالياء وجب الحد اتفاقا. وقيد بالجار والمجرور إذ لو اقتصر على قوله زنات يحد اتفاقا كما أفاده في غاية البيان. وأطلق في وجوب الحد وقيده الشارحون بأن يكون في حالة الغضب، أما في حالة الرضا فلا حد اتفاقا وبهذا ترجح
(٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 ... » »»
الفهرست