البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ٥ - الصفحة ١٩٦
قوله تعالى * (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة) * (الممتحنة: 1) فبعث عليا رضي الله عنه فأخذه وجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لحاطب: ما حملك على هذا؟ فقال: أن لي عيالات وقرابات بمكة فأردت أن يكون لي عندهم عهد، وإني أعلم أن الله تعالى ناصرك وممكنك ولا يضرك ما صنعت. فقال عمر رضي الله عنه: أئذن لي حتى أضرب عنق هذا المنافق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مهلا يا عمر لعل الله أطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فإني غفرت لكم. ولأنه لو فعله المسلم لا يكون نقضا للاسلام فكذلك إذا فعله الذمي غير أنه يعاقب ويحبس لأنه ارتكب محظورا اه‍. إلا أن يفرق بين الطليعة وبين ما في المحيط لما في المغرب: الطليعة واحدة الطلائع في الحرب وهم الذين يبعثون ليطلعوا على أخبار العدو ويتعرفونها. قال صاحب العين: وقد يسمى الرجل الواحد في ذلك طليعة والجميع أيضا إذا كانوا معا. وفي كلام محمد الطليعة الثلاثة والأربعة وهي فوق السرية اه‍. فيحمل ما في المحيط على أنه لم يبعثه أهل الحرب ليطلع على أخبار المسلمين. وما في الفتح ظاهر فيما إذا بعثوه لذلك. واستدلاله في المحيط بواقعة حاطب بعيد لأن كلامه في الذمي وحاطب كان مؤمنا ولذا قال تعالى * (يا أيها الذين آمنوا) * الخ وقال تعالى * (ومن يفعل ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل) * ولذا قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقت.
وأفاد المصنف رحمه الله أن العهد لا ينتقض بالقول ولذا قال في المحيط: عقد الذمة ينتقض بالفعل وهو الالتحاق ولا ينتقض بالقول وأمان الحربي ينتقض بالقول اه‍.
قوله: (وصاروا كالمرتدين) أي صار أهل الذمة بالالتحاق أو بالغلبة كالمرتدين في قتلهم ودفع مالهم لورثتهم لأنه التحق بالأموات لتباين الدار. قيدنا التشبيه في الشين لأن بينهما فرقا من جهة أخرى، وهو أن الذمي بعد الالتحاق يسترق ولا يجبر على قبول الذمة ذكرا كان أو أنثى كما في المحيط بخلاف المرتد حيث لا يسترق ويجبر على الاسلام لأن كفر المرتد أغلظ، وسيأتي أن المرتدة تسترق بعد اللحاق رواية واحدة وقبله في رواية. وأفاد بالتشبيه أن المال الذي لحق به بدار الحرب فئ كالمرتد ليس لورثتهما أخذه بخلاف ما إذا رجع إلى دار الاسلام بعد اللحاق وأخذ شيئا من ماله ولحق بدار الحرب فإنه يكون لورثته لأنه مالهم باللحاق الأول، والأحسن أن لا يقيد التشبيه بالشين فقط كما فعل الشارحون وإنما يبقى على إطلاقه ويستثنى منه مسألة الاسترقاق وعدم الجبر لما علمت من مسألة المال الذي لحق به دار
(١٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 191 192 193 194 195 196 197 198 199 200 201 ... » »»
الفهرست