البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ٤ - الصفحة ٣٧٩
لا يثبت الملك للعبد في نفسه لأنه لا يصلح مملوكا لنفسه فبقي الهبة والبيع إزالة الملك عن الرقيق لا إلى أوحد هذا معنى الاعتاق. وقد قال أبو حنيفة: إذا قال لعبده وهبت لك نفسك وقال أردت وهبت له عتقه أي لا أعتقه لم يعتق في القضاء لأنه عدول عن الظاهر ويصدق فيما بينه وبين الله تعالى لأنه نوى ما يحتمله كلامه اه‍. وزاد في الخانية: تصدقت بنفسك عليك. وفي هذه الألفاظ ثلاثة أقوال، فقيل إنها ملحقة بالصريح كما ذكرناه، وقيل إنها كناية لا تحتاج إلى النية وكل منهما مبني على أن الصريح يخص الوضعي، والحق القول الثالث أنها صرائح حقيقة كما قال به جماعة لأنه لا يخص الوضع واختاره المحقق ابن الهمام.
قوله: (وبلا ملك ولا رق ولا سبيل لي عليك إن نوى) بيان للكنايات لأن نفي هذه الأشياء يحتمل بالبيع والكتابة والعتق، وانتفاء السبيل يحتمل بالعتق وبالارضاء حتى لا يكون له سبيل في اللوم والعقوبة فصار مجملا، والمجمل لا يتعين بعض وجهه إلا بالنية. وبه اندفع ما في غاية البيان من أنه ينبغي أن يقع العتق بلا نية إذا لم يكن البيع ونحوه من الأشياء المزيلة موجودا لأن نفي الملك لما كان دائرا بين الاعتاق وغيره الاعتاق لم يكن موجودا في الواقع تعين الاعتاق لا محالة كما هو الحكم في التردد بين الشيئين وإلا يلزم أن يكون كلام العاقل لغوا فلا يجوز اه‍. وقوله في المختصر لي عليك متعلق بالثلاثة. قيد بقوله: لا سبيل لي عليك لأنه لو قال لا سبيل لي عليك إلا سبيل الولاء عتق في القضاء ولا يصدق أنه أراد به غير العتق، ولو قال لا سبيل لي عليك إلا سبيل الموالاة دين في القضاء، كذا في البدائع.
وإذا لم يقع العتق في لا ملك لي أو خرجت عن ملكي فهل له أن يدعيه؟ قال في خلاصة الفتاوى: لو قال لعبده أنت غير مملوك لا يعتق لكن ليس له أن يدعيه بعد ذلك ولا أن يستخدمه، فإن مات لا يرث بالولاء، فإن قال المملوك بعد ذلك أنا مملوك له فصدقه كان مملوكا له، وكذا لو قال له ليس هذا بعبدي لا يعتق اه‍. وظاهره أنه يكون حرا ظاهرا لا معتقا فتكون أحكامه أحكام الأحرار حتى يأتي من يدعيه ويثبت فيكون ملكا له. ومن الكنايات أيضا خليت سبيلك، لا حق لي عليك، وقوله لامته أطلقتك فتعتق بالنية. ومن الكنايات أيضا كما في البدائع أمرك بيدك اختاري، فيتوقف على النية وسيأتي تمام ذلك.
واختلف في أنت لله ففي الظهيرية لا يعتق عند أبي حنيفة وإن نوى. وقال محمد: إن أراد
(٣٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 374 375 376 377 378 379 380 381 382 383 384 ... » »»
الفهرست