البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ٣ - الصفحة ١٨٢
ويجب حمل كلامهم على من يقول ذلك شاكا في إيمانه والشافعية لا يقولون به فتجوز المناكحة بين الحنفية والشافعية بلا شبهة. وأما المعتزلة فمقتضى الوجه حل مناكحتهم لأن الحق عدم تكفير أهل القبلة كما قدمنا نقله عن الأئمة في باب الإمامة. وأفاد بحرمة نكاحهما حرمة وطئهما أيضا بملك اليمين خلافا لسعيد بن المسيب وجماعة لورود الاطلاق في سبايا العرب كأوطاس وغيرها وهن مشركات، وعامة العلماء منعوا من ذلك للآية، فإما إن يراد بالنكاح الوطئ أو كل منه ومن العقد بناء على أنه مشترك في سياق النفي أو خاص في الضم وهو ظاهر في الامرين ويمكن كون سبايا أوطاس أسلمن. وقيدنا بالمسلم لما في الخانية: وتحل المجوسية والوثنية لكل كافر إلا المرتد ا ه‍. يعني يجوز تزوج اليهودي نصرانية أو مجوسية وعكسه جائز لأنهم أهل ملة واحدة من حيث الكفر وإن اختلفت نحلهم.
قوله: (وحل تزوج الكتابية) لقوله تعالى * (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب) * (المائدة: 5) أي العفائف عن الزنا بيانا للندب لا أن العفة فيهن شرط. وعن ابن عمر أنها لا تحل لأنها مشركة لأنهم يعبدون المسيح وعزيرا، وحمل المحصنات في الآية على من أسلم منهن. وللجمهور أن المشرك ليس من أهل الكتاب للعطف في قوله تعالى * (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين) * (البينة: 1) والعطف يقتضي المغايرة. وفي قوله تعالى * (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا) * (المائدة: 82) وفي التبيين:
ثم كل من يعتقد دينا سماويا وله كتاب منزل كصحف إبراهيم وشيث وزبور داود فهو من أهل الكتاب فتجوز مناكحتهم وأكل ذبائحهم خلافا للشافعي فيما عدا اليهود والنصارى والحجة عليه ما تلونا. وفي فتح القدير: الكتابي من يؤمن بنبي ويقر بكتاب والسامرية من اليهود. أطلق المصنف الكتابية هنا وقيدها في المستصفى بقوله: قالوا هذا يعني الحل إذا لم يعتقد المسيح إلها، أما إذا اعتقده فلا. ويوافقه ما في مبسوط شيخ الاسلام: ويجب أن لا يأكلوا ذبائح أهل الكتاب إذا اعتقدوا أن المسيح إله وأن عزيرا إله، ولا يتزوجوا نساءهم.
قيل: وعليه الفتوى ولكن بالنظر إلى الدلائل ينبغي أنه يجوز الاكل والتزوج ا ه‍. وحاصله أن المذهب الاطلاق لما ذكره شمس الأئمة في المبسوط من أن ذبيحة النصراني حلال مطلقا، سواء قال بثالث ثلاثة أولا لاطلاق الكتاب هنا والدليل. ورجحه في فتح القدير بأن القائل بذلك طائفتان من اليهود والنصارى انقرضوا لا كلهم مع أن مطلق لفظ المشرك إذا ذكر في لسان أهل الشرع لا ينصرف إلى أهل الكتاب وإن صح لغة في طائفة أو طوائف لما عهد من إرادته به من عبد مع الله غيره ممن لا يدعي اتباع نبي وكتاب إلى آخر ما ذكره. وفي معراج الدراية: اختلف العلماء في أن لفظ المشرك يتناول أهل الكتاب، والأصح أن اسم المشرك مطلقا لا يتناوله للعطف في الآية. ثم المشرك ثلاثة: مشرك ظاهرا وباطنا كعبدة الأوثان، ومشرك باطنا لا ظاهرا كالمنافقين، ومشرك معنى كأهل الكتاب. ففي قوله * (سبحانه وتعالى
(١٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 177 178 179 180 181 182 183 184 185 186 187 ... » »»
الفهرست