لكونها عاقلة بالغة، ولهذا كان لها التصرف في المال ولها اختيار الأزواج. وإنما يطالب الولي بالتزويج كيلا تنسب إلى الوقاحة، ولذا كان المستحب في حقها تفويض الامر إليه. والأصل هنا أن كل من يجوز تصرفه في ماله بولاية نفسه يجوز نكاحه على نفسه، وكل من لا يجوز تصرفه في ماله بولاية نفسه لا يجوز نكاحه على نفسه. ويدل عليه قوله تعالى * (حتى تنكح) * (البقرة: 230) أضاف النكاح إليها. ومن السنة حديث مسلم الأيم أحق بنفسها من وليها (1) وهي من لا زوج لها بكرا كانت أو ثيبا. فأفاد أن فيه حقين: حقه وهو مباشرته عقد النكاح برضاها وقد جعلها أحق منه ولن تكون أحق إلا إذا زوجت نفسها بغير رضاه، وأما ما رواه الترمذي وحسنه أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل (2) وما رواه أبو داود لا نكاح إلا بولي (3) فضعيفان أو مختلف في صحتهما فلن يعارضا المتفق على صحته، أو الأول محمول على الأمة والصغيرة والمعتوهة أو على غير الكفء، والثاني محمول على نفي الكمال، أو هي ولية نفسها. وفائدته نفي نكاح من لا ولاية له كالكافر للمسلمة والمعتوهة والأمة، كل ذلك لدفع التعارض مع أن الحديث الأول حجة على من لم يعتبر عبارة النساء في النكاح فإن مفهومه أنها إذا نكحت بإذن وليها فنكاحها صحيح وهم لا يقولون به.
وأما قوله تعالى * (ولا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن) * (البقرة: 232) فالمراد بالعضل المنع حسا بأن يحبسها في بيت ويمنعها من أن تتزوج كما في المبسوط إن كان نهيا للأولياء لا المنع عن العقد بدليل أن ينكحن حيث أضاف العقد إليهن وإن كان نهيا للأزواج المطلقين عن المنع عن التزوج بعد العدة كما في المعراج بدليل أنه قال في أول الآية * (وإذا طلقتم النساء) * (البقرة: 232) فلم يكن حجة أصلا. قيده بالحرة احترازا عن الأمة والمدبرة والمكاتبة وأم الولد فإنه لا يجوز نكاحهن إلا بإذن المولى. وقيده بالمكلفة احترازا عن الصغيرة والمجنونة فإنه لا ينعقد نكاحهما إلا بالولي. وأطلقها فشمل البكر والثيب، وأطلق فشمل الكفء وغيره.
وهذا ظاهر الرواية عن أبي حنيفة وصاحبيه لكن للولي الاعتراض في غير الكفء، وما روي