البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ٣ - الصفحة ١١٩
للموصي أوطان حج عنه من أقرب أوطانه إلى مكة لأنه متيقن به، وإن لم يكن له وطن فمن حيث مات. فلو مات مكي بالكوفة وأوصى بحجة حج عنه من مكة وإن أوصى بالقران قرن من الكوفة لأنه لا يصح من مكة، فإن أحج عنه الوصي من غير وطنه مع ما يمكن الاحجاج من وطنه من ثلث ماله فإن الوصي يكون ضامنا ويكون الحج له ويحج عن الميت ثانيا إلا إذا كان المكان الذي أحج منه قريبا إلى وطنه من حيث يبلغ إليه ويرجع إلى الوطن قبل الليل، فحينئذ لا يكون ضامنا مخالفا. هذا كله إن بلغ ثلث ماله، فإن لم يبلغ الاحجاج من بلده حج عنه من بلده حج عنه من حيث يبلغ استحسانا، وإن بلغ الثلث أن يحج عنه راكبا فأحج عنه ماشيا لم يجز، وإن لم يبلغ إلا ماشيا من بلده قال محمد: يحج عنه من حيث بلغ راكبا. وعن أبي حنيفة أنه مخير بين أن يحج عنه من بلده ماشيا أو راكبا من حيث تبلغ. هذا إذا أطلق، وأما إذا عين مكانا اتبع لأن الاحجاج لا يجب بدون الوصية فيجب بمقدارها. وهذا كله إذا كان الثلث يكفي لحجة واحدة، فإن كان يكفي لحجج فهو على ثلاثة أقسام: إما أن يعين حجة واحدة أو يطلق أو يطلق أو يعين في كل سنة حجة، ففي الأول يحج عنه واحدة وما فضل فهو لورثته، وفي الثاني خير الوصي إن شاء أحج عنه في كل سنة حجة وإن شاء أحج عنه في سنة واحدة حججا وهو الأفضل لأنه تعجيل تنفيذ الوصية لأنه ربما هلك المال، وفي الثالث كالثاني ولم يذكر في الأصل لأن شرط التفريق لا يفيد فصار كالاطلاق كما لو أمر الموصي رجلا بالحج في هذه السنة فأخره المأمور إلى القابل فإنه يجوز عن الميت، ولا يضمن النفقة لأن ذكر السنة للاستعجال لا للتقييد. ولو أوصى بأن يحج عنه بثلث ماله أو أطلق فهلكت النفقة في يد المأمور، قال أبو حنيفة: يحج عنه بثلث ماله. وقال أبو يوسف: بما بقي من ثلث ماله. وأبطله محمد.
وهذا كله إذا لم يعين الموصي قدرا فإن عين قدرا من المال فإن بلغ ذلك أن يحج عنه من بلده وجب وإلا فمن حيث يبلغ ولو عين أكثر من الثلث يحج عنه بالثلث من حيث يبلغ بخلاف الوصية بشراء عبد بأكثر من الثلث وإعتاقه عنه فإنها باطلة لأن في العتق لا يجوز النقصان عن المسمى. كذا في المحيط وغيره. وذكر الولوالجي في فتاواه: لو أوصى بأن يحج عنه من ثلث ماله ولم يقل حجة حج عنه من جميع الثلث لأنه أوصى بصرف جميع الثلث إلى الحج لأن كلمة من للتمييز عن أصل المال. ولو دفع الوصي الدراهم إلى رجل ليحج عن الميت فأراد أن يسترد كان له ذلك ما لم يحرم لأن المال أمانة في يده، فإن استرده فنفقته إلى
(١١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 114 115 116 117 118 119 120 121 122 123 124 ... » »»
الفهرست