البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ٣ - الصفحة ١١٤
ميتا، فإن كان حيا فإنه يعطيه بقدر ما يكفيه كما ذكرنا، فإن أعطاه زائدا على كفايته فلا يحل للمأمور ما زاد بل يجب عليه رده إلى صاحبه إلا إذا قال وكلتك أن تهب الفضل من نفسك وتقبضه لنفسك، فإن كان على موت قال والباقي مني لك وصية، وإن كان قد أوصى بأن يحج عنه ثم مات، فإما أن يعين قدرا أو لا، فإن عين قدرا اتبع ما عينه حتى لا يجوز النقص عنه إذا كان يخرج من الثلث كما سيأتي تفصيله قريبا في مسألة الوصية، ولهذا قال في المحيط: رجل مات وترك ابنين وأوصى بأن يحج عنه بثلاثمائة وترك تسعمائة فأنكر أحدهما وأقر الآخر. وأخذ كل واحد منهما نصف المال، ثم إن المقر دفع مائة وخمسين يحج بها عن الميت، ثم أقر الآخر إن أحج يأمر القاضي يأخذ المقر من الجاحد خمسة وسبعين درهما لأنه جاز الحج عن الميت بمائة وخمسين وبقي مائة وخمسون ميراثا لهما فيكون لكل واحد نصفه، وإن أحج بغير أمر القاضي فإنه يحج مرة أخرى بثلاثمائة لأنه لم يجز الحج عن الميت لأنه أمره بثلاثمائة ا ه‍. ومع التعيين المذكور لا يحل للمأمور المذكور ما فضل بل يرده على ورثته، ولهذا قالوا: لو أوصى بأن يعطى بعيره هذا رجلا ليحج عنه فدفع إلى رجل فأكراه الرجل فأنفق الكراء على نفسه في الطريق وحج ماشيا جاز عن الميت استحسانا وإن خالف أمره.
وصححه في المحيط. وقال أصحاب الفتاوى: هو المختار لأنه لما ملك أن يملك رقبتها بالبيع ويحج بالثمن استحسانا هو المختار فلان يملك أن يملك منفعتها بالإجارة ويحج ببدل المنفعة كان أولى لأنه لو لم يظهر في الآخرة أنه يملك ذلك يكون الكراء له لأنه غاصب والحج له فيتضرر الميت ثم يرد البعير إلى ورثة الميت لأنه ملك المورث اه‍. وهذه المسألة خرجت عن الأصل للضرورة فإن الأصل أن المأمور بالحج راكبا إذا حج ماشيا فإنه يكون مخالفا وإن لم يعين الموصي قدرا فإن الورثة يحجون عنه من الثلث بقدر الكفاية. ولهذا قال الولوالجي في فتاواه: رجل مات وأوصى أن يحج عنه ولم يقدر فيه مالا، فالوصي إن أعطى إلى رجل ليحج عنه في محمل احتاج إلى ألف ومائتين، وإن حج راكبا لا في محمل يكفيه الألف وكل ذلك يخرج من الثلث يجب أقلهما لأنه هو المتيقن ا ه‍. فالحاصل أن المأمور لا يكون مالكا لما أخذه من النفقة بل يتصرف فيه على ملك المحجوج عنه حيا كان أو ميتا، معينا كان القدر أو غير معين، ولا يحل له الفضل إلا بالشرط المتقدم. سواء كان الفضل كثيرا أو يسيرا كيسير من الزاد كما صرح به في الفتاوى الظهيرية، وينبغي أن تكون كذلك الحجة المشروطة من جهة الواقف كما شرط سليمان باشا بوقفه بمصر قدرا معينا لمن يحج عنه كل سنة فإنه يتبع شرطه، ولا يحل للمأمور ما فضل منه بل يجب رده إلى الوقف.
وهذا كله إذا أوصى بأن يحج عنه، أما إذا قال أحجوا فلانا حجة ولم يقل عني ولم يسم
(١١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 109 110 111 112 113 114 115 116 117 118 119 ... » »»
الفهرست