المبسوط - السرخسي - ج ١٦ - الصفحة ٣٩
من المشركين من بلد إلى بلد فكذلك قال أبو يوسف رحمه الله لا أجر له لأنه إنما يحمل حمل الجيفة إلى المقبرة لإماطة الأذى فاما حملهما من بلد إلى بلد فهو معصية لا يجوز الاستئجار عليه (وقلت) انا إن كان الأجير عالما بما أمر بحمله فلا أجر له أيضا وإن لم يعلم بذلك فله الاجر لمعنى الغرور واستئجار الذمي الدابة من المسلم أو السفينة لينقل عليها خمرا على الخلاف الذي بينا وان استأجر ذمي ذميا لشئ من ذلك فهو جائز وكذلك لو استأجره يرعى له خنازير لان الخمر والخنزير مال متقوم في حقهم بمنزلة الشاة والبعير في حقنا وان استأجره ليبيع له ميتة أو دما لم يجز لان هذا ليس بمال في حق أحد فحكمهم فيها كحكم المسلمين ولا بأس بان يؤاجر المسلم دارا من الذمي ليسكنها فان شرب فيها الخمر أو عبد فيها الصليب أو دخل فيها الخنازير لم يلحق المسلم اثم في شئ من ذلك لأنه لم يؤاجرها لذلك والمعصية في فعل المستأجر وفعله دون قصد رب الدار فلا إثم على رب الدار في ذلك كمن باع غلاما ممن يقصد الفاحشة به أو باع جارية ممن لا يشتريها أو يأتيها في غير المأتي لم يلحق البائع اثم في شئ من هذه الأفعال التي يأتي بها المشتري وكذلك لو اتخذ فيها بيعة أو كنيسة أو باع فيها الخمر بعد أن يكون ذلك في السواد ويمنعون من احداث ذلك في الأمصار وقد بينا ذلك الكلام في هذا الفصل فيما سبق واستدل بحديث ثوبة بن نمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا اخصاء ولا كنيسة في الاسلام ولحديث مكحول أن أبا عبيدة بن الجراح رضي الله عنه صالحهم بالشام على أن يحصل عن كنائسهم القديمة وعلى أن لا يحدثوا كنيسة في مصر من أمصار المسلمين وان استأجر المسلم من المسلم بيتا ليصلى فيه المكتوبة أو التروايح لم يجز ولا أجر له لما بينا أن العقد إقامة الطاعة ثم يحق على كل مسلم دينا تمكين المسلم من موضع يصلى فيه عند الحاجة فلا يجوز أن يأخذ على ذلك أجرا فلو استأجر رجلا ليقتل له رجلا أو يشجه أو يضربه ظالما لم يجز ولا أجر له لما بينا أن العقد إقامة الطاعة ثم يحق على كل لأنه استئجار على المعصية ولو جاز العقد لصار إقامة العمل مستحقا عليه وفعل ما هو ظلم لا يكون مستحقا على أحد شرعا ولو أعطاه سلاحا لذلك فضاع أو انكسر لم يضمن لأنه قبضه باذن صاحبه ولو أن قاضيا استأجر رجلا ليضرب حدا قد لزمه أو ليقبض من رجل أو ليقطع يد رجل أو ليقوم عليه في مجلس القضاء شهرا بأجر معلوم فالإجارة جائزة وله الاجر لان المعقود عليه منافعه في المدة حتى يستوجب الاجر بتسلم النفس وهو معلوم ثم يحكم أنه ملك منافعه ليستعمله في إقامة الحدود غير
(٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 ... » »»
الفهرست