المبسوط - السرخسي - ج ١٦ - الصفحة ٣٥
بالقيمة في الحال ثم قال ولا آمره بقلع الأشجار لما يدخل به من الفساد عليهما وبظاهر هذا يتمسك من يختار الطريقة لاولى أنه يكون مشتريا نصف الغرس لأنه أشار إلى أن الأشجار تكون مشتركة ولكنه لا يقلع لما يدخل به من الفساد عليهما قال الحاكم رحمه الله تأويل هذا اللفظ فساد القلع على رب الأرض وضياع عمل الأجير بالقلع وبطلان حقه في الاجر ولو كان قد أكل الغلة على هذا حسب على الغارس ما أكل من أجره لان الشجرة ملك رب الأرض وإنما يملك الثمر يملك الشجر فما أكله العامل من ذلك يكون محسوبا عليه من أجره (قال) رضي الله عنه والأصح عندي أن يقال في تقليل هذه المسألة ان صاحب الأرض استأجره ليجعل أرضه بستانا بآلات نفسه على أن يكون أجره بعض ما يحصل بعمله وهو نصف البستان فهو كما لو استأجر صباغا ليصبغ ثوبه بصبغ نفسه على أن يكون نصف المصبوغ للصباغ وذلك فاسد لأنه في معنى قصر الطحان ونهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا لان الغرس آلة تصير الأرض بها بستانا كالصبغ للثوب فإذا فسد العقد بقيت الآلة متصلة بملك صاحب الأرض وهي متقومة فيلزمه قيمتها كما يجب على صاحب الثوب قيمة ما زاد الصبغ في ثوبه إلا أن الغراس أعيان تقوم بنفسها فلا يدخل أجر العمل في قيمتها فيلزمه مع قيمة الأشجار أجر مثل عمله لأنه أبقى من عمله عوضا ولم يسلم له ذلك فيستوجب أجر المثل ولو دفع الغزل إلى حائك لينسجه بالنصف فهو فاسد لأنه في معنى قفيز الطحان وقد بينا اختلاف المشايخ رحمهم الله فيه وكذلك حمل الطعام في سفينة أو على دابة بنصفه غير جائز وهذا لأنه لو جاز صار شريكا بأول جزء من العمل يقع على العامل فيما هو شريك فيه لا يستوجب الاجر فإذا لم يصح العقد لم يملك شيئا من المعمول فيبقى عمله مسلما إلى صاحبه بعقد فاسد فله أجر مثله لا يجاوز به نصف ذلك لتمام رضاه بذلك القدر ولو كان طعاما بين رجلين استأجر أحدهما صاحبه ليحمله أو يطحنه لم يجز ذلك عندنا وهو جائز عند الشافعي رحمه الله لان هذا العمل في نصيب شريكه غير مستحق عليه فاستئجاره على ذلك كاستئجاره أجنبيا آخر وشركته في المحل لا تمنع صحة الاستئجار كما لو استأجر أحد الشريكين من صاحبه بيتا ليحفظ فيه الطعام المشترك أو دابة لينقل عليها الطعام المشترك صح الاستئجار فهذا مثله (وحجتنا) الحديث المشهور في النهى عن قفيز الطحان وقد بينا أن معنى النهى انه لو جاز صار شريكا فذلك دليل على أن تقدم الشركة في المحل يمنع صحة الإجارة وهذا لأن العقد يلاقى العمل وهو عامل لنفسه
(٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 ... » »»
الفهرست