أنهما أتلفا ذلك بغير حق فيضمنان له مالا يقابله من ذلك عوض يعدله. ولو ادعى رجل على رجل ألف درهم وأقام بما عليه شاهدين وأقام المشهود عليه بالألف شاهدين انه أبرأه منها أو شهدوا أنه أبرأه من كل قليل وكثير يدعى ذلك فعدلوا واجتمعت البينتان عند القاضي فإنه لا ينبغي له أن لا يسمع من الشهود الذين شهدوا على المال لان هنا من يشهد على البراءة والبراءة مسقطة مفرغة للذمة فكيف يقضى باشغال الذمة بالمال وقد ظهر عنده ما يفرغ الذمة ثم الابراء في معنى الناسخ بحكم وجوب الدين والقضاء بالمنسوخ بعد ظهور الناسخ لا يجوز فان أخذ بشهادة شهود البراءة فقضى بها ثم رجعوا فان القاضي يكلف المشهود له بالألف بالبينة المثبتة ولا يلتفت إلى ما مضى لأنه لم يقض بشهادتهم على أصل المال والشهادة التي لم يتصل القضاء بها لا تكون موجبة شيأ فلا بد من اعادتهم إذا أراد تضمين شهود البراءة لأنهم يضمنون باتلافهم عليه ما كان مستحقا له وإنما يثبت هذا الاستحقاق بإعادة البينة وان أعادهم فخصمهم في ذلك شهود البراءة الذين رجعوا لأنه يدعي عليهم الضمان فهم خصماؤه في ذلك ولا يتمكن من أن يلزم المدين شيأ بهذه الشهادة لان رجوع شهود البراءة بعد قضاء القاضي بشهادتهم لا يكون معتبرا في حقه فلهذا لا تقوم شهود البراءة مقام المدين في إعادة هذه البينة عليهم فان شهد الشهود على الألف أنها على المدعى عليه في الأصل فقضي بها على شهود البراءة لأنه يتحقق اتلافهم ذلك المال على الطالب بشهادتهم عليه بالبراءة فيضمنان له ولا يرجعان بها على المشهود له بالبراءة لأنهما يضمنان عند الرجوع ورجوعهما ليس بحجة في حق المشهود له بالبراءة وقال وإنما يأمر القاضي مدعى المال بإعادة شهوده بعد رجوع شاهدي البراءة بمحضر منهما لان المال إنما وجب عليهما ساعة رجعا وهو مال حادث وجب عليهما فلا يجبرا بشهادة الشهود الذين شهدوا به قبل وجوب المال عليهما لأنهما كأنهما غصبا المال ساعة يقضى القاضي له ورجعا والله أعلم (تم الجزء السادس عشر ويليه السابع عشر) (أوله باب الرجوع عن الشهادة في الطلاق والنكاح)
(١٩٧)