أنفيها أي في نفيها تعريض لها لمثل ما ابتليت به فإنها عند أبويها تكون محفوظة ففي دار الغربة تكون خليعة العذار والنساء لحم على وضم الا ما ذب عنهن وإنما تبقى المرأة محفوظة بالحافظ والاستحياء وذلك ينعدم بالتغريب فيكون تعريضا لها للاقدام على هذه الفاحشة برفع المانع وهذا أولى مما قاله الخصم لان ما ينشأ عن الصحبة والمؤانسة يكون مكتوما وما ينشأ عن المواقحة يكون ظاهرا فان في هذا قطع لسبب ما ينشأ عن المحادثة وهو مكتوم ففيه تعريض للزنا بطريق الوقاحة وهو أفحش ثم قال أرأيت أمة زنت أكنت أنفيها فأحول بينها وبين مولاها وبين خدمتها وحق المولى في الخدمة مرعي وهو مقدم على الشرع وإذا ثبت أن الأمة لا تنفي فكذلك الحرة لان الله قال فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب وإذا ثبت أن نصف الحد خمسون جلدة ثبت ان كماله مائة جلدة ثم لا يجوز أن تنفي الحرة مع المحرم لان المحرم لم يزن فكيف يقام عليه الحد وبدون المحرم هي ممنوعة عن المسافرة شرعا فلا يجوز إقامة الحد بطريق فيه ابطال ما هو مستحق شرعا فأما المهاجرة لا تقصد السفر بغير محرم وإنما تقصد التخليص من المشركين حتى لو وصلت إلى جيش لهم منعة في دار الاسلام وأمنت لم يكن لها أن تسافر بغير محرم بعد ذلك فأما الحديث فقد بينا أن الجمع بين الجلد والتغريب كان في الابتداء ثم انتسخ بنزول سورة النور والمراد بالتغريب الحبس على سبيل التعزير قيل في تأويل قوله تعالى أو ينفوا من الأرض أنه الحبس وقال القائل ومن يك أمسى بالمدينة رحله * فانى وقيار بها لغريب أي محبوس ونحن نقول يحبس بطريق التعزير حتى تظهر توبته وان ثبت النفي على أحد فذلك بطريق المصلحة لا بطريق الحد كما نفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم هيت المخنث من المدينة ونفي عمر رضي الله عنه نصر بن حجاج من المدينة حين سمع قائلة تقول هل من سبيل إلى خمر فأشربها * أو هل سبيل إلى نصر بن حجاج فنفاه والجمال لا يوجب النفي ولكن فعل ذلك للمصلحة فإنه قال وما ذنبي يا أمير المؤمنين قال لا ذنب لك وإنما الذنب لي حيث لا أطهر دار الهجرة منك وقول ابن أبي ليلى رحمه الله تعالى في النفي كقول الشافعي رحمه الله تعالى إلا أنه يقول ينفي إلى بلد غير البلد الذي فجر فيه ولكن دون مسيرة سفر وعند الشافعي رحمه الله لا يكون النفي دون مسيرة سفر (قال) ولا يكون محصنا بالجماع في النكاح الفاسد لأنه نوع من الوطئ الحرام فلا يتم به عليه النعمة
(٤٥)