رجوعه وأبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله تعالى يقولان رجوع أحدهم بعد القضاء كرجوعه قبل القضاء بدليل سقوط الحد عن المشهود عليه ولا يكون ذلك الا بعد ابطال الحكم وإذا ثبت بطلان الحكم بهذا الدليل كان هذا وما قبل القضاء سواء وتحقيقه أن فيما يجب حقا الله تعالى تمام القضاء بالاستيفاء من تتمة القضاء ولهذا كان إلى الامام وهذا لان القضاء اما أن يكون لاعلام من له الحق بحقه أو لتمكينه من الاستيفاء وذلك لا يتصور في حقوق الله تعالى فكان المعتبر في حقوق الله تعالى النيابة في الاستيفاء ولا يتم ذلك بالقضاء بل بحقيقة الاستيفاء فإذا رجع أحدهم قبل تمام القضاء بالاستيفاء كان بمنزلة رجوعه قبل القضاء وكذلك أن أقيم بعض الحد ثم رجع أحدهم لان الحد لا يتجزى فاستيفاؤه لا يكون الا باتمامه فأما إذا رجع أحدهم بعد إقامة الحد فهذا على وجهين اما أن يكون الحد جلدا أو رجما فإن كان جلدا فإنه يحد هذا الراجع بالاتفاق ولا حد على الباقين لان الحجة تمت والحكم تأكد بالاستيفاء فرجوع أحدهم يبطل معنى الشهادة في حقه لإقراره فيكون قاذفا له ويبطل به معنى الشهادة المتأكدة في حق الباقين فلا حد عليهم فأما إذا كان الحد رجما فعندنا يحد الراجع وحده وقال زفر رحمه الله تعالى لا يحد الراجع أيضا لان الراجع لا يكون قاذفا له بالرجوع فإنه يثنى عليه خيرا فيقول كان عفيفا ولم يكن زانيا وإنما يكون قاذفا له بالشهادة السابقة فتبين أنه قذف حيا ثم مات ومن قذف حيا ثم مات لا يقام عليه حد القذف لان حد القذف لا يورث بخلاف ما إذا كان الحد جلدا لان المقذوف حي بعد إقامة الحد عليه والدليل على الفرق أنه لو ظهر أن أحد الشهود كان عبدا فإن كان الحد جلدا يحدون حد القذف وإن كان رجم المشهود عليه فلا رجم عليهم بالاتفاق وهذا مثله (وحجتنا) فيه أنه بالرجوع أقر على نفسه بالتزام حد القذف واقراره على نفسه حجة وتحقيقه وهو ان الشاهد عند الرجوع لا يصير قاذفا من وقت الشهادة بل يصير قاذفا في الحال لان اقتران معنى الشهادة بكلامه يمنعه من أن يكون قذفا وإنما انتزع معنى الشهادة من كلامه عند رجوعه فيصير كلامه السابق الآن قذفا كمن قال لامرأته ان دخلت الدار فأنت طالق عند دخول الدار يصير ذلك الكلام طلاقا لا أن يتبين أنه كان طلاقا لان صيرورته طلاقا باعتبار وصوله إلى المحل ووصوله إلى المحل مقصور على الحال فإذا ثبت أنه إنما يصير كلامه في الحال قذفا والمقذوف في الحال ميت ومن قذف ميتا يلزمه الحد (فان قيل) هو في الحال مرجوم بحكم الحاكم لو
(٤٨)