المبسوط - السرخسي - ج ٩ - الصفحة ١٩٦
العقوبة في النفس وما دونه حقا لله تعالى فيكون الحكم فيه أن يدخل ما دون النفس في النفس كما إذا اجتمع حد السرقة والشرب والرجم وهذا لان المقصود الزجر وذلك يتم باستيفاء النفس فلا فائدة بالاشتغال بما دونه ولأبي حنيفة رحمه الله تعالى حرفان أحدهما ان مبنى هذا الحد على التغليظ لغلظ جريمتهم والقطع ثم القتل أقرب إلى التغليظ فكان للامام أن يختار ذلك لكونه أقرب إلى ما لأجله شرع هذا الحد والثاني ان السبب الموجب للقطع هو أخذ المال وقد وجد منهم والسبب الموجب للقتل وهو قتل النفس قد وجد منهم وإنما يثبت الحكم بثبوت السبب والكل حد واحد ولا تداخل في الحد الواحد كالجلدات في الزنا إنما التداخل في الحدود (فان قيل) هذا فاسد لان للامام ان يقتلهم ويدع القطع (قلنا) لا بطريق التداخل بل لأنه ليس عليه مراعاة الترتيب في أجزاء حد واحد فكان له أن يبدأ بالقتل لذلك ثم إذا قتله فلا فائدة في اشتغاله بالقطع بعده فلا يشتغل كالزاني إذا ضرب خمسين جلدة فمات فإنه يترك ما بقي لأنه لا فائدة في اقامته ثم في ظاهر الرواية هو مخير في الصلب ان شاء فعله وان شاء لم يفعله واكتفي بالقتل وعن أبي يوسف رحمه الله قال ليس للامام أن يدع الصلب لان المقصود به الاشهار ليعتبر غيره فينزجر فلا يتركه وجه ظاهر الرواية أن معنى الزجر يتم بالقتل ولم ينقل في شئ من الآثار أن النبي صلى الله عليه وسلم صلب أحدا ألا ترى أنه لم يفعله بالعرنيين مع المبالغة والاستقصاء في عقوبتهم حتى سمل أعينهم (قال) وإذا أراد أن يصلب ففي ظاهر الرواية يصلبهم أحياء ثم يطعن تحت ثندؤتهم؟ الأيسر ليموتوا فان المقصود الزجر وذلك أنما يحصل إذا صلبهم أحياء لا بعد موتهم وذكر الطحاوي رحمه الله تعالى أنه لا يصلبهم أحياء لأنه مثلة ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المثلة ولو بالكلب العقور ولكنه يقتلهم فيه يتم معنى الزجر والعقوبة في قتلهم ثم يصلبهم بعد ذلك للاشتهار حتى يعتبر بهم غيرهم وفى الصحيح من المذهب يتركهم على الخشب ثلاثة أيام ثم يخلى بينهم وبين أهاليهم لأنه لو تركهم كذلك تغيروا وتأذى بهم المارة فيخلى بينهم وبين أهاليهم بعد ثلاثة أيام لينزلوهم فيدفنوهم (قال) وإذا وجد منهم القتل وأخذ المال فلا معتبر بالجراحات في تعلق الأرش والقصاص بها لأنهم استوجبوا أتم ما يكون من الحد فيسقط اعتبار ما دون ذلك من الجراحات وعفو الأولياء في ذلك باطل لان هذا حد يقام لحق الله تعالى واسقاط الأولياء إنما يعمل فيما هو حقهم
(١٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 191 192 193 194 195 196 197 198 199 200 201 ... » »»
الفهرست