المبسوط - السرخسي - ج ٩ - الصفحة ١٩٢
ودعواه على الآخر براءة منه للأول ولأنه قد تناقض كلامه والخصومة من المناقض غير مسموعة وشرط القطع الخصومة فلهذا لا يقطع واحد منهما ولا يضمن الأول السرقة أيضا لأنه قد أبرأه منها بالدعوى على الآخر فصار مكذبا له في اقراره وقد كذب الآخر في اقراره قبل هذا فلا ضمان له على واحد منهما ألا تري أنه لو أقر بأنه سرق منه فقال المقر له كذبت ثم قال له صدقت أنت سرقتها لم يكن له أن يضمنه شيئا وإن لم يقل كذبت ولكنه قال صدقت ثم قال آخر أنا سرقتها فقال له صدقت لم يقطع واحد منهما لمعنى التناقض ويضمن الآخر دون الأول لأنه بتصديق الآخر صار مكذبا للأول مبرئا له عما أقر به (فان قيل) فكذلك هو بتصديق الأول صار مكذبا للآخر قلنا نعم لكن وجد من الآخر الاقرار له بعد ذلك التكذيب فيصح تصديقه في ذلك كمن أقر لإنسان بمال ثم فكذبه أقر له ثانيا به فصدقه كان له أن يأخذ المال وإن كان ذلك في شهادة لم يضمن واحد منهما شيئا لان الشهادة لا توجب شيئا بدون القضاء ولا يقضى القاضي بها الا إذا ترتبت على خصومة صحيحة وقد سقط اعتبار خصومته للتناقض ولأنه صار مكذبا كل فريق بتصديق الآخر كالمدعى إذا أكذب شاهده لم تقبل شهادته له (قال) رجل قال لآخر سرقت منك كذا وكذا فقال كذبت لم تسرق منى ولكنك غصبته غصبا وإنما أردت بذكر السرقة أن تبرأ من الضمان ففي القياس لا شئ عليه لأنه كذبه ثم ادعى عليه غصبا مبتدأ فبطل اقراره بالتكذيب ولم يثبت ما ادعاه بغير حجة ولكنه استحسن فقال له أن يضمنه لان كلامه موصول وفي آخره بيان ان مراده التكذيب في جهة السرقة لا في أصل المال المضمون عليه والبيان المغير صحيح إذا كان موصولا بالكلام ثم المقر له انتدب بما صنع إلى ما ندب إليه في الشرع من ابقاء الستر على المسلم والاحتيال لدرء العقوبة عنه فلا يكون ذلك مسقطا حقه في المال وان قال سرقت منك كذا فقال الطالب غصبته غصبا فهو مستهلك فعليه ضمانه لأنه كما صدقه في الاقرار بملك أصل المال له فقد صدقه في ايجاب الضمان في ذمته لأن الغصب والسرقة كل واحد منهما سبب للضمان والأسباب مطلوبة لاحكامها لا لأعيانها فمع التصديق في الحكم لا يعتبر التكذيب في السبب وان قال غصبتك كذا فقال سرقته منى فله أن يضمنه لأنه صدقه فيما أقر له به وادعى زيادة جهة السرقة ولم يثبت له تلك الزيادة بدعواه فعليه ضمان القيمة والقول في مقدار القيمة قول الضامن مع يمينه لانكاره الزيادة التي يدعيها الطالب وان قال سرقت
(١٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 187 188 189 190 191 192 193 194 195 196 197 ... » »»
الفهرست