والمحارب بقطع الطريق يكون من أهل دارنا وقوله فجاء أناس يريدون الاسلام قيل معناه قد أسلموا فجاؤوا يريدون الهجرة لتعلم أحكام الشرع وقيل بل جاؤوا على قصد أن يسلموا ومن جاء من دار الحرب على هذا القصد فوصل إلى دار الاسلام فهو بمنزلة أهل الذمة والحد يجب بقطع الطريق على أهل الذمة كما يجب بقطع الطريق على المسلمين بخلاف المستأمنين على ما بيناه ثم في هذا الحديث دليل على أن هذا الحد مشروع على الترتيب بخلاف ما يقوله مالك رضي الله عنه أنه على التخيير بظاهر حرف أو وهذا لان الجناية تختلف منه بمباشرة القتل أو أخذ المال أو إخافة الناس والعقوبة بحسب الجناية فيستحيل أن يقال عند غلظ الجناية يعاقب بأخف الأنواع وعند خفتها بأغلظ الأنواع فعرفنا أنها مرتبة كما ذكر في الحديث فظاهر قوله من قتل وأخذ المال صلب دليل لأبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى في أن الامام لا يشتغل بقطع يده ورجله بهذه الحالة ولكن أبو حنيفة رحمه الله يقول المراد بيان ما يختص به بهذه الحالة فأما قطع اليد والرجل عند أخذ المال مبين في الحديث ألا ترى أنه لم يذكر القتل في هذه الحالة لأنه مبين في حق من قتل ولم يأخذ المال فأقول الامام يتخير في هذه الحالة بين أن يقطع يده ورجله ثم يقتله ويصلبه أو يقتله ويصلبه ثم يطعن تحت تندوته اليسرى فيقتله على خشبة ففي ظاهر المذهب يتخير بين ان يصلبه حيا وبين ان يقتله ثم يصلبه وذكر الطحاوي انه لا يصلبه قبل القتل فان ذلك مثلة ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المثلة ولو بالكلب العقور ولكن في هذا الحديث دليل على أن له ذلك لتحقيق معني الخزي في حقه ولهذا قال أبو يوسف رحمه الله تعالى يتركه على خشبته أبدا إلى أن يسقط لتحقيق معنى الخزي وليعتبر به غيره فأما قوله عز وجل أو ينفوا من الأرض فهو غير مذكور في هذا الحديث والمراد عندنا الحبس في حق من خوف الناس ولم يأخذ مالا ولم يقتل لأنه اما أن يكون المراد نفيه من جميع الأرض وذلك لا يتحقق ما دام حيا أو المراد نفيه من بلدته إلى بلدة أخرى وبه لا يحصل المقصود وهو دفع أذيته عن الناس أو يكون المراد نفيه عن دار الاسلام إلى دار الحرب وفيه تعريض له على الردة فعرفنا أن المراد نفيه من جميع الأرض إلى موضع حبسه فان المحبوس يسمى خارجا من الدنيا قال القائل خرجنا من الدنيا ونحن من أهلها * فلسنا من الاحياء فيها ولا الموتى
(١٣٥)