المبسوط - السرخسي - ج ٩ - الصفحة ١٣٩
والقطع بعده بهذا استدل أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى في أن قاطع الطريق إذا استحق قتله لا يشتغل بقطع يده ورجله وأبو حنيفة رحمه الله يقول إن المراد في الحدود لا في حد واحد وحد قاطع الطريق واحد ولا تداخل في أجزاء حد واحد فللامام إن يقطع يده ورجله ثم يقتله لتحقيق معنى التغليظ وعن عمر رضي الله عنه أنه قال أيما قوم شهدوا على حد لم يشهدوا بحضرته فإنما شهدوا على ضغن قال الحسن رحمه الله في حديثه ولا شهادة لهم والمراد الحدود التي هي محض حق الله تعالى والشهادة عليها بطريق الحسبة من غير أن ينبني على خصومة في الحد كالزنا والسرقة وشرب الخمر وأما حد القذف فالشهادة عليه تنبني على الدعوى والخصومة في الحد فلا يمتنع قبولها بتقادم العهد وعن علي رضي الله عنه في رجل أخذ وقد نقب البيت ولم يأخذ المتاع قال لا حد عليه وبه نأخذ فان سبب وجوب الحد ما لم يتم لا يجب الحد وتمام السرقة باخراج المال من الحرز وهذا لان الحد يتعلق بما هو المقصود من كل نوع ولهذا لم يجب حد الزنا الا بالايلاج في الفرج والمقصود في السرقة اخراج المال دون هتك الحرز فان أخذ قبل اخراج المال فقد انعدم ما هو المقصود فلا حد عليه وعن رافع بن خديج رضى الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا قطع في ثمر ولا في كثر وبه نقول فالثمر اسم الرطب المعلق على الأشجار وهو مما يتسارع إليه الفساد ولا قطع عندنا في سرقة ما يتسارع إليه الفساد (فان قيل) المراد ثمار المدينة فإنها على رؤس الأشجار وهي لا تكون محرزة لقصر الحيطان (قلنا) رسول الله صلى الله عليه وسلم نص على المعنى المانع من وجوب الحد والقطع وهو كون المسروق ثمرا وفي الحمل على ما قلتم تعطيل هذا السبب وإحالة الحكم إلى سبب آخر فأما الكثر فقد قبل المراد به الجمار هكذا قال يحيى ابن سعيد وقال غيره هو الودي وهو النخل الصغار وقد حكي أن غلاما سرق وديا فغرسه في أرض مولاه فأتي به مروان فأمر بقطعه فجاء مولاه إلى رافع بن خديج رضي الله عنه فأخبره بذلك فقال لا قطع عليه فسأله أن يأتي معه مروان فقال إليه وقد روى الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا قطع في ثمر ولا في كثر فدرأ الحد مروان وعن الحسن رحمه الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا قطع في الطعام المهيأ للأكل فان ذلك مما يتسارع إليه الفساد ولا يمكن ادخاره وأما الحنطة ونحوها يتعلق بسرقتها القطع بعد تمام الاحراز وقبل تمام الاحراز لا يتعلق بها القطع لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن جريسة
(١٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 144 ... » »»
الفهرست