المبسوط - السرخسي - ج ٩ - الصفحة ١٢٤
حق الآخر وهذا بخلاف ما إذا قتلت امرأة ولها ابنان فعفى أحدهما أو كان أحد الابنين لها من القاتل حيث لا يكون للآخر استيفاء القصاص لان القصاص حق العبد فكان ميراثا بين الاثنين فيسقط نصيب أحدهما اما باسقاطه أو لمعنى الأبوة ويتعذر على الآخر الاستيفاء لأنه لا يحتمل التجزء فأما حد القذف حق الله تعالى ولم يصر ميراثا للابنين بل المعتبر الخصومة من كل واحد منهما وحق الخصومة ثابت لكل واحد منهما بكماله توضيحه أن المقذوف هنا منكر وجوب الحد لا مسقط له فإذا أثبت الآخر وجوب الحد بالحجة استوفاه الامام بخلاف العفو في القصاص وإن لم يكن للمقذوف الا ابن واحد فصدقه في القذف ثم أراد أن يأخذه بالحد ليس له ذلك لأنه مناقض في كلامه ومع التناقض لا تصح الدعوى فلا يقام الحد الا بخصومة معتبرة ولو كان للمقذوف ابنان أحدهما عبد أو كافر كان له أن يطالب بالحد حاضرا كان الآخر أو غائبا لما بينا أن خصومته باعتبار أنه منسوب إليها وحال الابنين في ذلك سواء (قال) رجل قذف رجلا قدام القاضي فله أن يضربه الحد وإن لم يشهد به غيره لان العلم الذي يقع له بمعاينة السبب فوق العلم الذي يثبت له بشهادة الشاهدين وفى حد القذف معنى حق العبد فهو كالقصاص وسائر حقوق العباد فالقاضي يقضي في ذلك بعلمه وان علمه قبل أن يستقضي ثم استقضى فليس له أن يقيم الحد بعلمه حتى يشهد الشاهد عنده في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى له أن يقضى بعلمه لان علمه بمعاينة السبب لا يختلف بعدما قلد القضاء وقبله وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول حين عاين السبب استفاد علم الشهادة فلا يتغير ذلك بتقليد القضاء بخلاف ما إذا علم وهو قاض لأنه حين عاين السبب استفاد علم القضاء توضيحه أن معاينة السبب بمنزلة شهادة الشهود في الفصلين عنده ولو شهد الشاهد ان عنده قبل أن يستقضى ثم استقضى لم يكن له أن يقضى بذلك فكذلك إذا عاين السبب فأما في الحدود التي هي خالص حق الله تعالى كحد الزنا والسرقة وشرب الخمر فان عاين السبب في حالة القضاء فليس له أن يقضى بعلمه استحسانا وفي القياس له ذلك لان علمه بمعاينة السبب أقوى من علمه بشهادة الشهود عنده ولكنه استحسن لما روى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أرأيت لو لقيت رجلا على الزنا ما كنت أصنع به فقال شهادتك عليه كشهادة واحد من المسلمين فقال صدقت وروى
(١٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 119 120 121 122 123 124 125 126 127 128 129 ... » »»
الفهرست