المبسوط - السرخسي - ج ٩ - الصفحة ١٣
فيتناول ما يركب من الدواب في غالب البلدان وهو الخيل والبغال والحمير وقد تأيد ذلك بقوله تعالى والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة وإنما ذكر الركوب في هذه الأنواع الثلاثة فأما في الانعام ذكر منفعة الأكل بقوله والانعام خلقها لكم وبأن كان يركب الفيل والبعير في بعض الأوقات فذلك لا يدل على أن اليمين يتناوله ألا ترى أن البقر والجاموس يركب في بعض المواضع ثم لا يفهم أحد من قول القائل فلان ركب دابة البقر إلا أن ينوى جميع ذلك فيكون على ما نوى لأنه نوى حقيقة كلامه وفيه تشديد عليه وان عنى الخيل وحده لم يدين في الحكم لأنه نوى التخصيص في اللفظ العام وان قال لا أركب وعنى الخيل وحدها لم يدين في القضاء ولا فيما بينه وبين الله تعالى لان في لفظه فعل الركوب والخيل ليس بمذكور ونية التخصيص تصح في الملفوظ دون مالا لفظ له وان حلف لا يركب فرسا فركب برذونا لم يحنث وكذلك أن حلف لا يركب برذونا فركب فرسا لم يحنث لان البرذون فرس العجم والفرس اسم العربي فهو كما لو حلف لا يكلم عربيا فكلم عجميا أو على عكس هذا لم يحنث وان حلف لا يركب شيئا من الخيل فركب فرسا أو برذونا حنث لان اسم الخيل يجمع الكل قال الله تعالى ومن رباط الخيل الآية وقال صلى الله عليه وسلم الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة ولهذا يستحق الغازي السهم بالبرذون والفرس جميعا وان حلف لا يركب دابة فحمل عليها مكرها لم يحنث لأنه عقد يمينه على فعله في الركوب وهو ما ركبها بل حمل عليها مكرها ألا ترى أن الحمل يتحقق فيما يستحيل نسبة الفعل إليه كالجمادات وان ركب دابة عريانا أو بسرج أو أكاف حنث لأنه ركبها والركوب بهذه الأوصاف معتاد وان حلف لا يركب دابة لفلان فركب دابة لعبده ولا دين عليه لم يحنث في قول أبي حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى إلا أن ينويها وفي قول محمد رحمه الله تعالى هو حانث لأنه عقد يمينه على دابة هي مملوكة لفلان فان اللام دليل على الملك وكسب العبد مملوك لمولاه فيكون حانثا به وكونها في يد عبده ككونها في يد أجيره وهما يقولان عقد يمينه على دابة هي منسوبة إلى فلان وهذه منسوبة إلى العبد حقيقة من حيث أنه اكتسبها وعرفا من حيث أنه يقال دابة عبد فلان وشرعا فان النبي صلى الله عليه وسلم قال من باع عبدا وله مال فقد أضاف المال إلى العبد فلا يحنث به إلا أن ينويه وهو نظير ما تقدم في قوله لا أدخل دارا لفلان ان المعتبر هو النسبة بالسكنى دون الملك فهذا مثله ثم على
(١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 ... » »»
الفهرست