مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ٨ - الصفحة ٨٤
قال ابن عبد السلام: قيل إن علم القضاء يرجع إلى تعيين المدعي من المدعى عليه، فإذا كان هذا علم القضاء أو لازما له فلا بد من نصب إنسان يرفع النزاع الواقع بين الناس وينصف المظلوم من الظالم. ولما كان هذا المعنى يحصل في البلد من واحد ومن عدد قليل، كان هذا الفرض فيه على الكفاية إذا تعدد من فيه أهلية ذلك فإن اتحد تعين. ثم قال: وهذه مرتبة القاضي في الدين حين كان القاضي يعان على ما وليه حتى ربما كان بعضهم يحكم على من ولاه ولا يقبل شهادته إن شهد عنده لعدم أهلية الشهادة منه، وأما إذا صار القاضي لا يعان بل من ولاه ربما أعان عليه من مقصوده بلوغ هواه على أي حال كان، فإن ذلك الواجب ينقلب محرما نسأل الله السلامة. وبالجملة إن أكثر الخطط الشرعية في زماننا أسماء شريفة على مسميات خسيسة انتهى. ونقله في التوضيح. قال ابن عرفة إثر نقله كلام ابن عبد السلام هذا.
قلت: وحدثني من أثق به وبصحة خبره أنه لما مات القاضي بتونس الشيخ أبو علي بن قداح، تكلم أهل مجلس السلطان في ولاية قاض فذكر بعض أهل المجلس ابن عبد السلام فقال بعض كبار أهل المجلس: إنه شديد الامر ولا تطيقونه. فقال بعضهم: نستخبر أمره. فدسوا عليه رجلا من الموجدين كان جارا له يعرف بابن إبراهيم فقال له: هؤلاء امتنعوا من توليتك لأنك شديد في الحكم فقال، أنا أعرف العوائد وأمشيها، فحينئذ ولوه من عام أربعة وثلاثين إلى أن توفي رحمه الله عام تسع وأربعين وسبعمائة انتهى.
قلت: ينبغي أن يحمل هذا من ابن عبد السلام رحمه الله على أنه خاف أن يولي من لا يصلح للولاية فتسبب في ذلك لدفع مضرة ذلك كما ذكره ابن عرفة عن بعض شيوخه في تسببه بولايته لقضاء الأنكحة تسببا ظاهرا علمه القريب منه والبعيد. قال: وكان ممن يشار إليه بالصلاح والأعمال بالنيات، وقد أشار ابن غازي إلى هذا في تكميل التقييد، فإذا كان هذا حكم القسم الواجب صار محرما فكيف ببقية الأقسام؟ وقال في المقدمات: الهرب من القضاء واجب وطلب السلامة منه لا سيما في هذا الوقت واجب لازم، وقد روي أن عمر رضي الله عنه دعا رجلا ليوليه فأبى فجعل يديره على الرضا فأبى ثم قال له: أنشدك الله يا أمير المؤمنين أي ذلك تعلم خيرا لي: قال: أن لا تلي. قال: فاعفني. قال: قد فعلت. ثم قال: وطلب القضاء والحرص عليه حسرة وندامة يوم القيامة. وروي عن النبي (ص) أنه قال ستحرصون على الامارة وتكون حسرة وندامة يوم القيامة، فنعمت المرضعة وبئست الفاطمة فمن طلب القضاء وأراده وحرص عليه وكل إليه وخيف عليه فيه الهلاك، ومن لم يسأله وامتحن به وهو كاره له خائف على نفسه فيه أعانه الله عليه. روي عن النبي (ص) أنه قال من طلب القضاء واستعان
(٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 ... » »»
الفهرست