مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ٣ - الصفحة ٥٠٢
هو مطلوب بإخلاص النية لله تعالى بل هم أهم فلا يخرج ليقال إنه حاج أو ليفطم أو ليعطى الفتوحات فإن هذا كله رياء والرياء حرام بالاجماع. قال ابن جماعة في منسكه الكبير: وأهم ما يهتم به قاصد الحج إخلاصه لله وحده فعن رسول الله (ص) أنه قال إذا جمع الله الناس ليوم لا ريب فيه نادى مناد من كان أشرك في عمل عمله الله أحدا فليطلب ثوابه من عند غير الله فإن الله تعالى أغنى الشركاء عن الشرك وفي الصحيح أن رسول الله (ص) قال: قال الله تعالى أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه غيري تركته وشركه انتهى.
وقال في كتاب الحج من الاحياء: وليجعل عزمه خالصا لوجه الله عز وجل بعيدا عن شوائب الرياء والسمعة، وليتحقق أنه لا يقبل من قصده وعمله إلا الخلاص، فإن من أفحش الفواحش أن يقصد بيت الملك وحرمته والمقصود غيره فليصحح مع نفسه العز وتصحيحه بإخلاصه وإخلاصه باجتناب كل ما فيه رياء أو سمعة، وليحذر أن يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير انتهى. واستحبوا له أيضا أن تكون يده فارغة من التجارة ليكون قلبه مشغولا بما هو بصدده فقط إلا أن ذلك لا يقدح في صحة حجه ولا يأثم به. قال القرطبي في تفسير قوله تعالى:
* (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم) * الآية. دليل على جواز التجارة في الحج للحاج مع أداء العبادات وإن القصد إلى ذلك لا يكون شركا ولا يخرج به المكلف عن رسم الاخلاص المفترض عليه خلافا للفراء. أما الحج دون تجارة فهو أفضل لعروها عن شوائب الدنيا وتعلق القلب بغيرها انتهى. وقال التادلي: قال صاحب السراج قال العلماء:
لا تعارض التجارة نية الحج لقوله تعالى: * (ليس عليكم جناح) * الآية: قالوا:
يعني في مواسم الحج انتهى. وقال ابن معلى قال الشيخ يحيى النووي وغيره من العلماء رضي الله عنهم: يستحب لمريد الحج أن تكون يده فارغة من مال التجارة ذاهبا وراجعا لان ذلك يشغل القلب. قال: فإن أتجر لم يؤثر ذلك في صحة حجة.
قلت: إطلاق الشيخ استحباب ترك التجارة في سفر الحج وتعليله بشغل القلب ينبغي أن يكون مقيدا من حين إحرامه إلى آخر حجه، لأن الاشتغال بها حينئذ مبدد للخاطر ومصرف عن المطلوب من الاقبال بالظاهر والباطن. وأما في ابتداء السفر فلا وجه لاستحباب تركه إذ ليس له ما يشغله التجارة عنه إلا أن يقال هو، وإن اشتغل بها في ابتداء سفره فقد يكون ذلك سببا لكساد سلعته وعدم نفادها في الموضع الذي يقصده فيمتنع بسبب ذلك من المبادرة إلى الحج أو لا يسعه الوقت لمحاولة بيعها فيقطعه عن مقصوده وهذا يقع كثيرا. سمعت بعض الناس يقول: خرجت للحج فلما دخلت تونس أشار علي بعض الناس بشراء سلعة أحملها للإسكندرية ففعلت فدخلتها في سابع عشرين من رمضان فضاق الوقت عن بيعها فعزمت على
(٥٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 497 498 499 500 501 502 503 504 505 506 507 ... » »»
الفهرست