وقيل: إن هذين البيتين لأحمد بن حنبل. وقيل: إنهما لغيره، ويروى أنه لما مرض عبد الله بن عامر بن كريز مرضه الذي مات فيه أرسل إلى ناس من الصحابة وفيهم عبد الله بن عمر رضي الله عنهم فقال: إنه قد نزل بي ما ترون فقالوا: كنت تعطي السائل وتصل الرحم وحفرت الآبار في الفلوات لابن السبيل وبنيت الحوض بعرفات فما تشك في نجاتك وعبد الله بن عمر ساكت. فلما أبطأ عليه قال: يا أبا عبد الرحمن ألا تتكلم؟ فقال عبد الله: إذا طابت المكسبة زكت النفقة وسترد فتعلم. انتهى من الباب الثاني. وقال فيه: وما أغبن من بذل نفسه وماله على صورة قصد الله تعالى وقصده فيه غيره فيبوء بالحرمان وغضب الرحمن انتهى.
والروايتان الأوليان أخرجهما الحافظ أبو الفرج في مثير الغرام إلى زيارة البيت الحرام قال: ولكن بلفظ: بمال من غير حله في الرواية الأولى وبلفظ: هذا مردود عليك في الثانية. وقوله:
يؤم أي يقصد. قوله: شخص شخوص المسافر خروجه من منزل. والسحت بضم الحاء وإسكانها. قال في القاموس: الحرام وما خبث من المكاسب. وقد نظم الشيخ أبو عبد الله محمد بن رشيد البغدادي في قصيدته التي في المناسك المسماة بالذهبية معنى هذا الحديث فقال:
وحج بمال من حلال عرفته * وإياك والمال الحرام وإياه فمن كان بالمال الحرام حجه * فعن حجه والله ما كان أغناه إذا هو لبى الله كان جوابه * من الله لا لبيك حج رددناه كذاك روينا في الحديث مسطرا * وما جاء في كتب الحديث سطرناه قال ابن عطاء الله في مناسكه: وإنما أتى على الكثير من الناس في عدم قبول عبادتهم وعدم استجابة دعواتهم لعدم تصفية أقواتهم عن الحرم والشبهات انتهى. وقال النووي: فإن حج بمال حرام أو بشبهة فحجه صحيح ولكنه ليس بمبرور انتهى. واعترض عليه بأن المبرور هو الذي لا يخالطه مأثم ومن وقع في الشبهات لم يتحقق وقوعه في الاثم. وقد حمل العلماء قوله (ص): ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام على وجهين. قال الفاكهاني في شرع عمدة الاحكام: أحدهما أن من تعاطى الشبهات وداوم عليه أفضت به إلى الوقوع في الحرام.
والثاني أن من تعاطى الشبهات وقع في الحرام في نفس الامر وإن كان لا يشعر بها فمنع من تعاطى الشبهات لذلك انتهى. ونحوه في شرح الأربعين: فمن تعاطى ما فيه شبهة لا يحرم فإنه آثم إلا على القول بأن الشبهات حرام. وقيل: إنها حلال. وصوب القرطبي في المفهم القول بالكراهة. انتهى من شرح الأربعين للفاكهاني. ولأنهم عدوا من الشبهات ما اختلف فيه العلماء كما صرح به الفاكهاني والزناتي وغيرهم وابن ناجي. ومن ارتكب ما اختلف فيه العلماء لا نقول فيه إثم فكان الأولى أن يقول: فإن حج بشبهة خيف عليه أن لا يكون حجه مبرورا. وقد اختلف العلماء في الحلال هل هو ما علم أصله أو ما جهل أصله؟ ورجح جماعة كثيرون الثاني منهم الشيخ الفاكهاني وأبو علي الجسائي ذكره في شرح الأربعين ولا سيما في هذا الزمان