مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ٣ - الصفحة ٤٨٩
مخالفة هذا ليس من أفعال من يؤمن بالله ويخاف عقابه في الآخرة. قال الباجي: والعلة في منعها من السفر مع غير ذي محرم كونها عورة يجب عليها التستر ويحرم عليها التبرج حيث الرجال مخافة الفضيحة والاختلاط عن التقييد بحدود الشريعة.
تنبيه: قال في التوضيح: وقاس العلماء الزوج على المحرم بطريق الأول انتهى.
قلت: وفي كلامه هذا نظر، لأنه ورد النص على الزوج في الصحيحين قال في التوضيح: والمحرم يشمل النسب والرضاع والصهر لكن كره مالك سفرها مع ربيبها. أما لفساد الزمان لضعف مدرك التحريم عند بعضهم. وعلى هذا فيلحق به محارم محرم الصهر والرضاع، وأما لما بينهما من العداوة فسفرها معه تعريض لضيعتها وهذا هو الظاهر. وقد صرح ابن الجلاب وصاحب التلقين بجواز سفر المرأة مع محرمها من الرضاع في باب الرضاع انتهى.
وتأمل قول المصنف مدرك التحريم. قال ابن عبد السلام: أما لفساد الزمان فلا تقوى الحرمة إذا كان التحريم طارئا انتهى. وما ذكره عن مالك يفهم منه أنه كرهه مطلقا وليس كذلك إنما كرهه إذا كان أبوه قد طلقها وتزوجت بعده. ونصه في رسم حلف ليرفعن من سماع ابن القاسم من كتاب النكاح: وسئل مالك عن سفر الرجل بامرأة أبيه أتراه ذا محرم؟ فقال: قال الله سبحانه: * (أمهاتكم وبناتكم) * فأتم الآية. وقال: هؤلاء ذو المحرم. فأما الرجل يكون أبوه قد طلق المرأة وتزوجت أزواجا يريد أن يسافر معها فلا أحب ذلك. قال ابن القاسم:
وما يعجبني أن يسافر بها، فارقها أبوه أو لم يفارقها. وإنما كان هذا من مالك حجة ولم أره يعجبه. ابن رشد: احتجاج مالك بالآية يدل على أنه حمل قوله (ص): لا تسافر امرأة مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم منها على عمومه في جميع المحارم من نسب أو رضاع وكراهيته أن يسافر بها إذا كان أبوه قد طلقها وتزوجت الأزواج استحسان مخافة الفتنة عليه إذ ليست في تلك الحال زوجة لأبيه وكره ابن القاسم أن يسافر بها فارقها أبوه أو لم يفارقها لاحتمال أن يكون أراد النبي (ص) ذوي محارمها من النسب دون الصهر. فقول مالك في حمل الحديث على ظاهره من العموم أظهر، وقول ابن القاسم أحوط انتهى. وما فهمه ابن القاسم عن مالك يوافق إطلاق المصنف. وفي رسم الحج من سماع أشهب من كتاب الحج ما نصه: وسمعته سئل أتخرج المرأة تريد الحج مع ختنها؟ فقال: تخرج في جماعة الناس ابن رشد ظاهر قوله أنه لم ير أنه أن تخرج مع ختنها لأنه ليس من ذوي محارمها إذا كانت له حلالا قبل أن يتزوج ابنتها. ومثل هذا في سماع ابن القاسم من كتاب النكاح من كراهيته السفر للرجل مع زوجة أبيه أو ابنه. وحمل مالك رحمه الله الحديث المتقدم على السفر المباح والمندوب إليه دون الواجب بدليل إجماعهم على أن المرأة إذا أسلمت في بلد الحرب لزمها
(٤٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 484 485 486 487 488 489 490 491 492 493 494 ... » »»
الفهرست