وقال بعض العلماء: إنه يقتل والله أعلم. وأنكرت الملحدة الحج وقالت: إن فيه التجرد من الثياب وهو يخالف الحياء، وفيه السعي وهو يخالف الوقار، ورمى الجمار لغير مرمى فصاروا إلى أن هذه الأفعال كلها باطلة إذ لم يعرفوا لها حكمة وجهلوا أنه ليس من شرط العبد مع المولى أن يفهم المقصود بجميع ما يأمره به وأن يطلع على فائدة تكليفه، وإنما يتعين عليه الامتثال ويلزمه الانقياد من غير طلب فائدة ولا سؤال عن مقصود، ولهذا كان قوله عليه السلام: لبيك حقا حقا لبيك تعبدا ورقا. انتهى من القرطبي في سورة آل عمران والله أعلم.
وأما العمرة فهي سنة مؤكدة مرة في العمر. وأطلق المصنف رحمه الله في قوله إنها سنة مرة في العمر ولا بد من زيادة كونها مؤكدة كما صرح به غير واحد من أهل المذهب، قال في الرسالة: والعمرة سنة مؤكدة مرة في العمر. وقال في النوادر قال مالك: العمرة سنة واجبة كالوتر لا ينبغي تركها انتهى. وقال ابن الحاج في منسكه: هي أوكد من الوتر. وفي الموطأ قال مالك:
العمرة سنة ولا نعلم أحدا من المسلمين رخص في تركها انتهى. قال أبو عمر: حمل بعضهم قول مالك في الموطأ لا نعلم من رخص في تركها على أنها فرض وذلك جهل منه انتهى. وقال ابن الحاج في منسكه قال مالك: العمرة سنة مؤكدة وليست بفرض كالحج وهي أوكد من الوتر. وقد قيل: إن قوله تعالى: * (والعمرة لله) * بعد قوله * (وأتموا الحج والعمرة لله) * كلام مؤتنف. وقد قرئت بالرفع. وقيل: إنما أمر بإتمامها من دخل فيها. وقال ابن حبيب وأبو بكر ابن الجهم: هي فرض كالحج وبه قال الشافعي وبه قال جماعة من أهل المدينة، والمشهور الأول لقوله عليه الصلاة والسلام الحج جهاد والعمرة تطوع رواه الترمذي وقال:
حديث حسن وفي بعض الروايات حسن صحيح ونازعه النووي في تصحيحه ولأنها نسك غير مؤقت فلا تكون واجبة كطواف التطوع، ولعدم ذكرها في حديث بني الاسلام على خمس انتهى. وقال ابن حارث عن ابن حبيب: هي فرض على غير أهل مكة. وقال الزركشي من الشافعية: كره مالك الاعتمار لأهل مكة والمجاورين بها. وقال: يا أهل مكة ليس عليكم عمرة إنما عمرتكم الطواف بالبيت. وهو قول عطاء وطاوس بخلاف غيرهم فإنها واجبة عليهم انتهى.
قلت: وهو غريب لا يعرف في المذهب عن مالك، قال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب وعن عطاء أنه قال: العمرة واجبة على الناس إلا على أهل مكة لأنهم يطوفون بالبيت انتهى.
تنبيه: ولا خلاف أنها تجب بالنذر ويجب إتمامها بعد الشروع فيها والله أعلم. وحكمها بعد المرة الأولى الاستحباب. قال الشيخ أبو الحسن الكبير في أواخر كتاب الحج الثاني: قال أبو محمد: والعمرة سنة مؤكدة مرة في العمر، وأما أكثر من مرة فينتفي عنها التأكيد وتبقى بعد ذلك مستحبة انتهى. ويستحب في كل سنة مرة ويكره تكرارها في العام الواحد على المشهور، وقاله مالك في المدونة لأنه عليه الصلاة والسلام لم يكررها في عام واحد مع قدرته على ذلك،