قال بعض السلف رحمة الله عليهم: لان أقرأ إذا زلزلت، والقارعة أتدبرهما وأتفهمهما، أحب إلي من أن أقرأ القرآن كله. وعن الحسن البصري أنه قال: إن من كان قبلكم رأوا هذا القرآن رسائل إليهم من ربهم، فكانوا يتدبرونها بالليل، وينفذونها بالنهار. اه. ملخصا من النصائح.
(قوله: قال أبو الليث في البستان إلخ) قال النووي - رحمه الله تعالى - في الأذكار ما ملخصه: ينبغي أن يحافظ على تلاوته ليلا ونهارا، سفرا وحضرا، وقد كانت للسلف رضي الله عنهم عادات مختلفة في القدر الذي يختمون فيه، فكان جماعة منهم يختمون في كل شهرين ختمة، وآخرون في كل شهر ختمة، وآخرون في كل عشر ليال ختمة، وآخرون في كل ثمان ليال ختمة، وآخرون في كل سبع ليال - وهذا فعل الأكثرين من السلف - وآخرون في كل ست ليال، وآخرون في أربع، وكثيرون في كل ثلاث، وكان كثيرون يختمون في كل يوم وليلة ختمة، وختم جماعة في كل يوم وليلة ختمتين، وآخرون في كل يوم وليلة ثلاث ختمات، وختم بعضم في اليوم والليلة ثماني ختمات: أربعا في الليل، وأربعا في النهار.
والمختار أن ذلك يختلف باختلاف الاشخاص، فمن كان يظهر له بدقيق الفكر لطائف ومعارف، فليقتصر على قدر يحصل له معه كمال فهم ما يقرأ، وكذا من كان مشغولا بنشر العلم، أو فصل الحكومات بين المسلمين، أو غير ذلك من مهمات الدين والمصالح العامة للمسلمين، فليقتصر على قدر لا يحصل بسببه إخلال بما هو مرصد له، ولا فوات كماله، ومن لم يكن من هؤلاء المذكورين فليستكثر - ما أمكنه - من غير خروج إلى حد الملل أو الهذرمة في القراءة. وقد كره جماعة من المتقدمين الختم في يوم وليلة، ويدل عليه ما رويناه بالأسانيد الصحيحة في سنن أبي داود والترمذي والنسائي وغيرها من عبد الله بن عمر وبن العاصي رضي الله عنهما قال: قال رسول الله (ص): لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث. وأما وقت الابتداء والختم فهو إلى خيرة القارئ، فإن كان يختم في الأسبوع مرة، فقد كان عثمان رضي الله عنه يبتدئ ليلة الجمعة، ويختم ليلة الخميس.
وقال الإمام أبو حامد الغزالي في الاحياء: الأفضل أن يختم ختمة بالليل، وأخرى بالنهار، ويجعل ختمة النهار يوم الاثنين في ركعتي الفجر أو بعدهما، ويجعل ختمة الليل ليلة الجمعة في ركعتي المغرب أو بعدهما، ليستقبل أول النهار وآخره.
وروى ابن أبي داود عن عمرو بن مرة التابعي الجليل رضي الله عنه قال: كانوا يحبون أن يختم القرآن من أول الليل، أو من أول النهار.
وعن طلحة بن مصرف التابعي الجليل الإمام قال: من ختم القرآن أية ساعة كانت من النهار صلت عليه الملائكة حتى يمسي، وأية ساعة كانت من الليل صلت عليه الملائكة حتى يصبح. ثم قال - رحمه الله تعالى - ويستحب الدعاء عند الختم استحبابا متأكدا شديدا، لما روينا عن حميد الأعرج - رحمه الله تعالى - قال: من قرأ القرآن ثم دعا أمن على دعائه أربعة آلاف ملك. وينبغي أن يلح في الدعاء، وأن يدعو بالأمور المهمة، والكلمات الجامعة، وأن يكون معظم ذلك أو كله في أمور الآخرة، وأمور المسلمين، وصلاح سلطانهم، وسائر ولاة أمورهم، وفي توفيقهم للطاعات، وعصمتهم من المخالفات، وتعاونهم على البر والتقوى، وقيامهم بالحق، واجتماعهم عليه، وظهورهم على أعداء الدين، وسائر المخالفين. اه.
وقوله: ويستحب الدعاء عند الختم إلخ. مما يحسن إيراده هنا: الدعاء الذي يدعو به شيخنا الأستاذ علامة الزمان مولانا السيد أحمد بن زيني دحلان، عقب ختمه القرآن (وهو هذا):
بسم الله الرحمن الرحيم. صدق الله مولانا العظيم. وبلغ رسوله النبي الكريم. ونحن على ذلك من الشاهدين